الباب الحادي عشر
في قصص شعيب (عليه السلام)
في قصص شعيب (عليه السلام)
قال الله تعالى : وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَ الْمِيزانَ وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَ لا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَ اذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ... الآيات
.قال أمين الإسلام الطبرسي في قوله تعالى وَ إِلى مَدْيَنَ أي أهل مدين أو هو اسم القبيلة قيل إن مدين بن إبراهيم الخليل فنسب القبيلة إليه .
قال عطاء هو شعيب بن نوبة بن مدين بن إبراهيم و كان خطيب الأنبياء لحسن مراجعة قومه و هم أصحاب الأيكة .
و قال قتادة أرسل شعيب مرتين إلى أهل مدين مرة و إلى أصحاب الأيكة مرة .
فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَ الْمِيزانَ أي أدوا حقوق الناس على التمام في المعاملات .
وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ أي لا تنقصوهم حقوقهم .
وَ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها أي لا تعملوا في الأرض بالمعاصي و استحلال المحرمات بعد أن أصلحها الله بالأمر و النهي و بعثه الأنبياء .
[211]
وَ لا تَقْعُدُوا فأنهم كانوا يقعدون على طريق من قصد شعيبا للإيمان به فيخوفونه بالقتل أو أنهم كانوا يقطعون الطريق فنهاهم عنه .
وَ تَبْغُونَها عِوَجاً بأن تقولوا هو باطل فَكَثَّرَكُمْ أي كثر عددكم .
قال ابن عباس و ذلك أن مدين بن إبراهيم تزوج بنت لوط فولدت حتى كثر أولادها .
علل الشرائع بإسناده إلى أنس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بكى شعيب من حب الله عز و جل حتى عمي فرد الله عز و جل عليه بصره ثم بكى حتى عمي فرد الله عليه بصره ثم بكى حتى عمي فرد الله عليه بصره فلما كانت الرابعة أوحى الله إليه يا شعيب إلى متى يكون هذا أبدا منك إن يكن هذا خوفا من النار فقد أجرتك و إن يكن شوقا إلى الجنة فقد أبحتك فقال إلهي و سيدي أنت تعلم أني ما بكيت خوفا من نارك و لا شوقا إلى جنتك و لكن عقد حبك في قلبي فلست أصبر أو أراك فأوحى الله جل جلاله إليه أما إذا كان هكذا فمن أجل هذا سأخدمك كليمي موسى بن عمران .
قال الصدوق رحمه الله يعني بذلك لا أزال أبكي أو أراك قد قبلتني حبيبا .
و قال شيخنا المحدث أبقاه الله تعالى كلمة أو بمعنى إلى أن أو إلا أن أي إلى أن يحصل لي غاية العرفان و الإيقان المعبر عنها بالرؤية و هي رؤية القلب لا البصر .
و الحاصل طلب كمال المعرفة بحسب الاستعداد و القابلية و الوسع و الطاقة انتهى .
و الأظهر أن يقال المراد بقوله أو أراك إلى أن أراك بعد الموت يعني أني أبكي على حبك و لا أفتر عن البكاء حتى ألقاك كمن غاب عن حبيبه فهو يبكي على حبيبه لأجل فراقه إلى أن يلقاه .
فهذه معان ثلاثة و الحديث حمال أوجه و ما قاله نبي الله شعيب (عليه السلام) هو الذي قاله أمير المؤمنين (عليه السلام) ما عبدتك خوفا من نارك و لا طمعا في جنتك و لكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك .
و عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال : أول من عمل المكيال و الميزان شعيب النبي (عليه السلام) عمله بيده فكانوا يكيلون و يوفون ثم إنهم بعد أن طففوا في المكيال و الميزان
[212]
و بخسوا في الميزان فأخذتهم الرجفة فعذبوا بها فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ .
قال الطبرسي في قوله تعالى فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ أي الزلزلة .
و قيل أرسل الله عليهم حرا شديدا فأخذ بأنفاسهم فدخلوا أجواف البيوت فدخل عليهم البيوت فلم ينفعهم ظل و لا ماء و أنضجهم الحر فبعث الله سحابة فيها ريح طيبة فوجدوا برد الريح و طيبها و ظل السحابة فنادوا عليكم بها فخرجوا إلى البرية فلما اجتمعوا تحت السحابة ألهبها الله عليهم نارا و رجفت بهم الأرض فاحترقوا كما يحترق الجراد و صاروا رمادا و هو عذاب يوم الظلة .
عن ابن عباس و غيره من المفسرين .
و قيل بعث الله عليهم صيحة واحدة فماتوا بها عن أبي عبد الله .
و قيل : إنه كان لشعيب قومان قوم أهلكوا بالرجفة و قوم هم أصحاب الظلة قصص الأنبياء للراوندي من علمائنا رواه بإسناده إلى سهل بن سعيد قال بعثني هشام بن عبد الملك أستخرج له بئرا في رصافة عبد الملك فحفرنا منها مائتي قامة ثم بدت لنا جمجمة رجل طويل فحفرنا ما حولها فإذا رجل قائم على صخرة عليه ثياب بيض و إذا كفه اليمنى على رأسه على موضع ضربة برأسه فكنا إذا نحينا يده عن رأسه سالت الدماء و إذا تركناها عادت فسدت الجرح و إذا في ثوبه مكتوب أنا شعيب بن صالح رسول رسول الله شعيب النبي (عليه السلام) إلى قومه فضربوني و طرحوني في هذا الجب و هالوا علي التراب فكتبنا إلى هشام ما رأيناه فكتب أعيدوا عليه التراب كما كان و احتفروا في مكان آخر .
كنز الفوائد للكراجكي عن عبد الرحمن بن زياد الإفريقي قال خرجت بإفريقية مع عم لي إلى مزدرع لنا فحفرنا موضعا فأصبنا ترابا هشا فحفرنا عامة يومنا حتى انتهينا إلى بيت كهيئة الأزج فإذا فيه شيخ مسجى و إذا عند رأسه كتابة فقرأتها فإذا هي أنا حسان بن سنان الأوزاعي رسول شعيب النبي (عليه السلام) إلى أهل هذه البلاد دعوتهم إلى الإيمان بالله فكذبوني و حبسوني في هذا الحفر إلى أن يبعثني الله و أخاصمهم يوم القيامة .
و ذكروا أن سليمان بن عبد الملك مر بوادي القرى فأمر ببئر يحفر فيه ففعلوا فانتهى إلى صخرة فاستخرجت فإذا تحتها رجل عليه قميصان واضع يده على رأسه
[213]
فجذبت يده فشج مكانها بدم ثم تركت فرجعت إلى مكانها فرقأ الدم فإذا معه كتاب فيه أنا الحارث بن شعيب الغساني رسول شعيب إلى أهل مدين فكذبوني و قتلوني .
و قال وهب بعث الله شعيبا إلى أهل مدين و لم يكونوا قبيلة شعيب التي كان منها و لكنهم كانوا أمة من الأمم بعث إليهم شعيب و كان عليهم ملك جبار و لا يطيقه أحد من ملوك عصره و كانوا ينقصون المكيال و الميزان و يبخسون الناس أشياءهم مع كفرهم بالله و تكذيبهم لنبيه و كانوا يستوفون إذا اكتالوا لأنفسهم أو وزنوا لها و كانوا في سعة من العيش فأمرهم الملك باحتكار الطعام و نقص المكاييل و الموازين و وعظهم شعيب فأرسل إليه الملك ما تقول ما صنعنا أ راض أنت أم ساخط فقال شعيب أوحى الله تعالى إلي أن الملك إذا صنع مثل ما صنعت يقال له ملك فاجر فكذبه الملك و أخرجه و قومه من المدينة .
قال الله تعالى حكاية عنهم لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا فزادهم شعيب في الوعظ فقالوا يا شُعَيْبُ أَ صَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا فآذوه بالنفي من بلادهم فسلط الله عليهم الحر و الغيم حتى أنضجهم الله فلبثوا فيه تسعة أيام و صار ماؤهم حميما لا يستطيعون شربه فانطلقوا إلى غيضة لهم و هو قوله تعالى وَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ فرفع الله لهم سحابة سوداء فاجتمعوا في ظلها فأرسل الله عليهم نارا منها فأحرقتهم فلم ينج أحد منهم و ذلك قوله تعالى فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ فلما أصاب قومه ما أصابهم لحق شعيب و الذين آمنوا معه بمكة فلم يزالوا بها حتى ماتوا .
و الرواية الصحيحة أن شعيبا (عليه السلام) صار منها إلى مدين فأقام بها و بها لقيه موسى بن عمران (صلى الله عليه وآله وسلم) .
و عن علي (عليه السلام) قال : قيل له يا أمير المؤمنين حدثنا قال إن شعيب النبي (عليه السلام) دعا قومه إلى الله حتى كبر سنه و دق عظمه ثم غاب عنهم ما شاء الله ثم عاد إليهم شابا فدعاهم إلى الله عز و جل فقالوا ما صدقناك شيخا فكيف نصدقك شابا.
و عن أبي عبد الله (عليه السلام) : قال لم يبعث الله عز و جل من العرب إلا خمسة أنبياء هودا و صالحا و إسماعيل و شعيبا و محمد خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله وسلم) و كان شعيب بكاء .
[214]
الكافي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : أوحى الله إلى شعيب أني معذب من قومك مائة ألف أربعين ألف من شرارهم و ستين ألف من خيارهم فقال (عليه السلام) يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار فأوحى الله عز و جل إليه داهنوا أهل المعاصي و لم يغضبوا لغضبي .
و عن ابن عباس رضي الله عنه : عاش شعيب (صلى الله عليه وآله وسلم) مائتين و اثنتين و أربعين سنة .
و قال مجاهد عذاب يوم الظلة هو إظلال العذاب لقوم شعيب .
و قال بريد بن أسلم في قوله تعالى يا شُعَيْبُ أَ صَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا قال مما كان نهاهم عنه قطع الدراهم انتهى .
[215]