باب قصص داود (عليه السلام) و فيه فصول
الفصل الأول
في عمره و وفاته و فضائله و ما آتاه الله تعالى و فيه قصة أوريا
الفصل الأول
في عمره و وفاته و فضائله و ما آتاه الله تعالى و فيه قصة أوريا
الكافي بإسناده إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مات داود النبي (عليه السلام) يوم السبت مفجوءا فأظلته الطير بأجنحتها .
معاني الأخبار معنى داود أنه داوى جرحه بود .
و قيل : داوى وده بالطاعة حتى قيل عبد .
و عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إن الله تبارك و تعالى لم يبعث الأنبياء ملوكا في الأرض إلا أربعة بعد نوح ذو القرنين و اسمه عياش و داود و سليمان و يوسف (عليه السلام) فأما عياش فملك ما بين المشرق و المغرب و أما داود فملك ما بين الشامات إلى بلاد إصطخر و كذلك كان ملك سليمان و أما يوسف فملك مصر و براريها لم يجاوزها إلى غيرها .
[336]
تفسير علي بن إبراهيم يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ أي سبحي الله وَ الطَّيْرَ وَ أَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ قال كان داود (عليه السلام) إذا مر في البراري يقرأ الزبور تسبح الجبال و الطير معه و الوحوش و ألان الله له الحديد مثل الشمع حتى كان يتخذ منه ما أحب .
قال الصادق (عليه السلام) : اطلبوا الحوائج يوم الثلاثاء فإنه اليوم الذي ألان الله فيه الحديد لداود (عليه السلام) .
و قوله أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ قال الدروع و قَدِّرْ فِي السَّرْدِ المسامير التي في الحلقة .
و قال أمين الإسلام الطبرسي في قوله تعالى يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ أي قلنا للجبال يا جبال سبحي معه قالوا أمر الله الجبال أن تسبح معه إذا سبح فسبحت معه .
و يجوز أن يكون سبحانه فعل في الجبال ما يأتي به منها التسبيح معجزا له .
و أما الطير فيجوز أن يسبح و يحصل له من التمييز ما سيأتي منه ذلك بأن يزيد في فطنته فيفهم ذلك .
و قال بعض المتأخرين يمكن أن يكون تسبيح الجبال كناية عن تسبيح الملائكة الساكنين بها أو بأن خلق الله الصوت فيها أو على القول بأن للجمادات شعور .
قال مؤلف الكتاب نعمة الله الموسوي الحسيني أيده الله تعالى : إنا ذكرنا في كثير من مؤلفاتنا القول بأن الطيور و الحيوانات لها نفوس ناطقة داركة و حكيناه عن كثير من قدماء الحكماء بالبراهين و الدلائل و الأحاديث المستفيضة بل المتواترة دالة على إدراكها و أن لها من الإدراك و الشعور ما تزيد على كثير من الناس و ظاهر الآيات شاهد به و كذلك في الأحاديث شهادة و دلالة على أن للجمادات نوعا من الإدراك و الشعور تسبح لخالقها و تطيعه بلسان مقالها مثل لسان حالها حتى إن جماعة من محققي المفسرين و أهل الحديث قالوا إن إعجاز النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان تسبيح الحصى بيده هو إسماع الحاضرين ذلك التسبيح و إلا فالتسبيح حاصل في الحصى و غيره وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ. و قد أطلنا الكلام في هذا المقام في كتاب زهر الربيع و في شرحينا على كتابي التوحيد و عيون الأخبار للصدوق .
[337]
قصص الأنبياء للفاضل الراوندي بإسناده إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال : داود (عليه السلام) كان يدعو أن يعلمه الله القضاء بين الناس بما هو عنده تعالى الحق فأوحى الله إليه يا داود إن الناس لا يحتملون ذلك و إني سأفعل و ارتفع إليه رجلان فاستدعا أحدهما على الآخر فأمر المستدعى عليه أن يقوم إلى المستدعي فيضرب عنقه ففعل فاستعظمت بنو إسرائيل ذلك و قالت رجل جاء يتظلم من رجل فأمر الظالم أن يضرب عنقه فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) رب أنقذني من هذه الورطة قال فأوحى الله تعالى إليه يا داود سألتني أن ألهمك القضاء بين عبادي بما هو عندي الحق و أن هذا المستعدي قتل أبا هذا المستعدى عليه فأمرت فضربت عنقه فوداه بأبيه و هو مدفون في حائط كذا و كذا تحت شجرة كذا فأته فناده باسمه فإنه سيجيبك فسله قال فخرج داود (عليه السلام) و قد فرح فرحا شديدا فقال لبني إسرائيل قد فرج الله فمشى و مشوا معه فانتهى إلى شجرة فنادى يا فلان فقال لبيك يا نبي الله قال من قتلك قال فلان قال بنو إسرائيل لسمعناه يقول يا نبي الله فنحن نقول يا نبي الله كما قال فأوحى الله تعالى إليه يا داود إن العباد لا يطيقون الحكم بما هو عندي الحكم فسل المدعي البينة و أضف المدعى عليه إلى اسمي .
و عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : كان على عهد داود (عليه السلام) سلسلة يتحاكم الناس إليها و إن رجلا أودع رجلا جواهر فجحده إياها فدعاه إلى السلسلة فذهب معه إليها و أدخل الجوهر في قناة فلما أراد أن يتناول السلسلة قال له أمسك هذه القناة حتى آخذ السلسلة فأمسكها و دنا الرجل من السلسلة فتناولها و أخذها و صارت في يده فأوحى الله تعالى إلى داود (عليه السلام) احكم بينهم بالبينات و أضفهم إلى اسمي يحلفون به و رفعت السلسلة .
العياشي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إن الله تبارك و تعالى أهبط ظللا من الملائكة علىآدم (عليه السلام) و هو بوادي الروحا بين الطائف و مكة ثم صرخ بذريته
[338]
و هم ذر فخرجوا كما يخرج النمل من كورها فاجتمعوا على شفير الوادي فقال الله لآدم انظر ما ذا ترى فقال آدم ذرا كثيرا فقال الله يا آدم هؤلاء ذريتك أخرجتهم من ظهرك لآخذ عليهم الميثاق بالربوبية و لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنبوة كما أخذته عليهم في السماء قال آدم يا رب أ و كيف أوسعتهم ظهري قال الله يا آدم بلطف صنعي قال آدم (عليه السلام) فما تريد منهم في الميثاق قال أن لا يشركوا بي شيئا فمن أطاعني أسكنه جنتي و من عصاني أسكنه ناري قال يا رب لقد عدلت فيهم و ليعصينك أكثرهم إن لم تعصمهم .
قال أبو جعفر (عليه السلام) : عرض على آدم (عليه السلام) أسماء الأنبياء (عليهم السلام) و أعمارهم فمر باسم داود فإذا عمره أربعون سنة فقالآدم (عليه السلام) يا رب و ما أقصر عمر داود و أكثر عمري يا رب زدت داود من عمري ثلاثين سنة أ تكتب ذلك له قال نعم قال إني زدته من عمري ثلاثين سنة فأثبتها له و اطرحها من عمري فأثبتها الله لداود و محاها من آدم فذلك قوله يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ فلما دنا عمر آدم هبط عليه ملك الموت ليقبض روحه فقال يا ملك الموت قد بقي من عمري ثلاثون سنة فقال أ لم تجعلها لابنك داود و أنت بوادي الروحا فقال آدم (عليه السلام) يا ملك الموت ما أذكر هذا فقال يا آدم لا تجهل أ لم تسأل الله أن يثبتها لداود و يمحوها من عمرك قال آدم فأحضر الكتاب حتى أعلم ذلك و كان آدم صادقا لم يذكر فمن ذلك اليوم أمر الله العباد أن يكتبوا بينهم إذا تداينوا و تعاملوا إلى أجل مسمى لنسيان آدم (عليه السلام) و جحود ما جعل على نفسه .
أقول : في كثير من الأخبار أنه زاد في عمر داود ستين سنة تمام المائة سنة و هو أوفق بسائر الأخبار .
من لا يحضره الفقيه قال أبو جعفر (عليه السلام) : دخل علي (عليه السلام) المسجد فاستقبله شاب و هو يبكي و حوله قوم يسكتونه فقال له علي (عليه السلام) ما أبكاك فقال يا أمير المؤمنين إن شريحا قضى علي بقضية ما أدري ما هي إن هؤلاء النفر خرجوا بأبي في سفرهم فرجعوا و لم يرجع أبي فسألتهم عنه فقالوا مات فسألتهم عن ماله
[339]
فقالوا ما ترك مالا فقدمتهم إلى شريح فاستحلفهم و قد علمت يا أمير المؤمنين أن أبي خرج و معه مال كثير فقال ارجعوا فردهم جميعا و الفتى معهم إلى شريح فقال يا شريح كيف قضيت بين هؤلاء فحكى له فقال يا شريح هيهات هكذا تحكم في مثل هذا و الله لأحكمن فيهم بحكم ما حكم به قبلي إلا داود النبي (عليه السلام) يا قنبر ادع لي شرطة الخميس فدعاهم فوكل بكل رجل منهم رجلا من الشرطة ثم نظرأمير المؤمنين (عليه السلام) إلى وجوههم فقال أ تقولون إني لا أعلم ما صنعتم بأبي هذا الفتى إني إذا لجاهل ثم قال فرقوهم و غطوا رءوسهم ففرق بينهم و أقيم كل واحد منهم إلى أسطوانة من أساطين المسجد و رءوسهم مغطاة بثيابهم ثم دعا بعبيد الله بن أبي رافع كاتبه فقال هات صحيفة و دواة و جلس (عليه السلام) في مجلس القضاء و اجتمع الناس إليه فقال إذا أنا كبرت فكبروا ثم قال للناس أفرجوا ثم دعا بواحد منهم فأجلسه بين يديه فكشف عن وجهه ثم قال لعبيد الله اكتب قراره و ما يقول ثم أقبل عليه بالسؤال فقال في أي حين خرجتم من منازلكم و أبو هذا الفتى معكم فقال في يوم كذا و شهر كذا ثم قال و إلى أين بلغتم من سفركم حين مات قال إلى موضع كذا قال و في أي منزل مات قال في منزل فلان بن فلان قال و ما كان مرضه قال كذا و كذا قال كم يوما مرض قال كذا و كذا يوما قال فمن يمرضه و في أي يوم مات و من غسله و من كفنه و بما كفنتموه و من صلى عليه و من نزل قبره فلما سأله عن جميع ما يريد كبر و كبر الناس معه فارتاب أولئك الباقون و لم يشكوا أن صاحبهم قد أقر عليهم و على نفسه فأطرق يغطي رأسه ثم دعا بآخر فأجلسه بين يديه و كشف عن وجهه ثم قال كلا زعمت أني لا أعلم ما صنعتم فقال يا أمير المؤمنين ما أنا إلا واحد من القوم و لقد كنت كارها لقتله فأقر ثم دعا بواحد بعد واحد و كلهم يقر بالقتل و أخذ المال ثم رد الأول فأقر أيضا فألزمهم المال و الدية و قال شريح يا أمير المؤمنين و كيف كان حكم داود فقال إن داود النبي (عليه السلام) مر بغلمة يلعبون و ينادون بعضهم مات الدين فدعا منهم غلاما فقال يا غلام ما اسمك فقال اسمي مات الدين سمتني به أمي
[340]
فانطلق إلى أمه فقال لها من سماه بهذا الاسم قالت أبوه قال و كيف ذلك قالت إن أباه خرج في سفر له و معه قوم و هذا الصبي حمل في بطني فانصرف القوم و لم ينصرف زوجي و قالوا مات قلت أين ماله قالوا لم يخلف مالا فقلت أوصاكم بوصية قالوا نعم زعم أنك حبلى فما ولدت سميه مات الدين فسميته فقال أ تعرفين القوم الذين كانوا خرجوا مع زوجك قالت نعم و هم أحياء قال فانطلقي بنا إليهم ثم مضى معها فاستخرجهم من منازلهم فحكم بينهم بهذا الحكم فثبت عليهم المال و الدم ثم قال للمرأة سمي ابنك عاش الدين .
و عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : أوحى الله تعالى إلى داود (عليه السلام) أنك نعم العبد لو لا أنك تأكل من بيت المال و لا تعمل بيدك شيئا قال فبكى داود (عليه السلام) فأوحى الله تعالى إلى الحديد أن لن لعبدي داود فألان الله له الحديد فكان يعمل كل يوم درعا فيبيعها بألف درهم فعمل ثلاثمائة و ستين درعا فباعها بثلاثمائة و ستين ألفا و استغنى عن بيت المال .
بشارة المصطفى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إذا قام قائم آل محمد (عليه السلام) حكم بين الناس بحكم داود لا يحتاج إلى بينة يلهمه الله تعالى .
و قال صاحب الكامل كان داود بن إيشا من أولاد يهودا فلما قتل طالوت أتى بنو إسرائيل داود و أعطوه خزائن طالوت و ملكوه عليهم .
فلما ملك جعله الله نبيا ملكا و أنزل عليه الزبور و أمر الجبال و الطير أن يسبحن معه إذا سبح و لم يعط الله أحدا مثل صوته كان إذا قرأ الزبور تدنو الوحش حتى يأخذ بأعناقها و كان يقوم الليل و يصوم النهار و نصف الدهر فكان يحرسه كل يوم و ليلة أربعة آلاف و كان يأكل من كسب يده .
قيل أصاب الناس في زمن داود (عليه السلام) طاعون جارف يعني عاما فخرج بهم إلى موضع بيت المقدس و كان يرى الملائكة تعرج منه إلى السماء فلهذا قصده ليدعو فيه .
فلما وقف موضع الصخرة دعا الله تعالى في كشف الطاعون عنهم فاستجاب الله و رفع الطاعون فاتخذوا ذلك الموضع مسجدا و كان الشروع في بنائه لإحدى عشرة سنة مضت من ملكه و توفي قبل أن يستتم بناؤه و أوصى إلى سليمان بإتمامه.
[341]
ثم إن داود (عليه السلام) توفي و كانت له جارية تغلق الأبواب كل ليلة و تأتيه بالمفاتيح و يقوم إلى عبادته فأغلقتها ليلة فرأت في الدار رجلا فقالت من أدخلك الدار فقال أنا الذي أدخل على الملوك بغير إذن فسمع داود قوله فقال أنت ملك الموت فهلا أرسلت إلي فأستعد للموت قال قد أرسلت إليك كثيرا قال من كان رسولك قال أين أبوك و أخوك و جارك و معارفك قال ماتوا قال فهم رسلي إليك بأنك تموت كما ماتوا ثم قبضه .
فلما مات ورث سليمان ملكه و كان له تسعة عشر ولدا فورثه سليمان دونهم وكان عمر داود (عليه السلام) مائة سنة و مدة ملكه أربعين سنة .
نهج البلاغة : و إن شئت ثلثت بداود (عليه السلام) صاحب المزامير و قارئ أهل الجنة فلقد كان يعمل سفائف الخوص بيده و يقول لجلسائه أيكم يكفيني بيعها و يأكل قرص الشعير من ثمنها .
أقول : في اللغة مزامير داود ما كان يتغنى به من الزبور و قد أعطي من طيب النغم و لذة ترجيع القراءة ما كانت الطيور لأجله تقع عليه و هو في محرابه و الوحش تسمعه فتدخل بين الناس و لا تنفر منهم لما قد استغرقها من طيب صوته .
الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إن داود (عليه السلام) لما وقف الموقف بعرفة نظر إلى الناس و كثرتهم فصعد الجبل فأقبل يدعو فلما قضى نسكه أتاه جبرئيل (عليه السلام) فقال له يا داود يقول لك ربك لم صعدت الجبل ظننت أنه يخفى علي صوت من صوت ثم مضى به إلى البحر إلى جدة فرسب به في الماء مسيرة أربعين صباحا في البر فإذا صخرة ففلقها فإذا فيها دودة فقال يا داود يقول لك ربك أنا أسمع صوت هذه في بطن هذه الصخرة في قعر هذا البحر فظننت أنه يخفى علي صوت من صوت .
و عنه (عليه السلام) : قال قال داود النبي (عليه السلام) لأعبدن الله اليوم عبادة و لأقرأن قراءة لم أفعل مثلها قط فدخل محرابه ففعل فلما فرغ من صلاته إذا هو بضفدع في المحراب فقال له يا داود أعجبك اليوم ما فعلت من عبادتك و قراءتك فقال نعم فقال لا يعجبك فإني أسبح الله في كل ليلة ألف تسبيحة يتشعب لي مع كل تسبيحة ثلاثة آلاف تحميدة و إني لأكون في قعر الماء فيصوت الطير في الهواء فأحسبه جائعا فأطفو له على الماء ليأكلني و ما لي ذنب .
[342]