باب فيه قصص لقمان و حكمه (عليه السلام)
و قصة أشموئيل و طالوت و جالوت و تابوت السكينة
و قصة أشموئيل و طالوت و جالوت و تابوت السكينة
وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَ مَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ .
تفسير علي بن إبراهيم عن حماد قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن لقمان و حكمته التي ذكرها الله عز و جل فقال أما و الله لقد أوتي لقمان الحكمة لا بحسب و لا مال و لا أهل و لا بسط في جسم و لا جمال و لكنه كان رجلا قويا في أمر الله متورعا في الله عميق النظر طويل الفكر لم ينم نهارا قط و لم يره أحد من الناس على بول و لا غائط و لا اغتسال لشدة تستره و لم يضحك من شيء قط و لم ينازع إنسانا قط و لم يفرح بشيء أتاه من أمر الدنيا و لا حزن منها على شيء قط و قد نكح من النساء و ولد له الأولاد الكثيرة و قد مات أكثرهم أفراطا فما بكى لأحد منهم و لم يمر برجلين يختصمان أو يقتتلان إلا أصلح بينهما و لم يسمع قولا من أحد إلا استحسنه إلا سأل عن تفسيره و عمن أخذه و كان يكثر مجالسة الفقهاء و الحكماء و كان يغشي القضاة و الملوك و السلاطين فيرثي للقضاة مما ابتلوا به و يرحم الملوك و السلاطين لغرتهم بالله و طمأنينتهم بذلك و يتعلم ما يغلب به نفسه و يجاهد به هواه و كان يداوي قلبه بالتفكر و يداوي نفسه بالعبر و كان لا يتكلم إلا فيما يعنيه
[326]
فبذلك أوتي الحكمة و إن الله تعالى أمر طوائف من الملائكة حين انتصف النهار و هدأت العيون بالقابلة فنادوا لقمان حيث يسمع و لا يراهم فقالوا يا لقمان هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض و تحكم بين الناس فقال لقمان إن أمرني ربي فالسمع و الطاعة لأنه إن فعل بي ذلك أعانني و علمني و عصمني و إن هو خيرني قبلت العافية فقالت الملائكة يا لقمان لم قال لأن الحكم بين الناس بأشد المنازل من الدين و أكثر فتنا و بلاء ثم ساق الحديث إلى قوله فعجبت الملائكة من حكمته و استحسن الرحمن منطقه فلما أمسى و أخذ مضجعه من الليل أنزل الله عليه الحكمة فغشاه بها من قرنه إلى قدمه و هو نائم و غطاه بالحكمة غطاء فاستيقظ و هو أحكم الناس في زمانه و خرج على الناس ينطق بالحكمة فلما أوتي الحكم بالخلافة و لم يقبلها أمر الله الملائكة فنادت داود بالخلافة فقبلها و لم يشترط فيها بشرط لقمان فأعطاه الله الخلافة في الأرض و ابتلي فيها غير مرة و كل ذلك يهوي في الخطأ فيقيه الله و يغفر له و كان لقمان يكثر زيارة داود و يعظه بمواعظه و كان يقول له داود (عليه السلام) طوبى لك يا لقمان أوتيت الحكمة و صرفت عنك البلية و أعطي داود (عليه السلام) الخلافة و ابتلي بالخطإ و الفتنة فوعظ لقمان ابنه بالنار حتى تفطر و انشق و كان فيما وعظه أن قال يا بني إنك منذ سقطت إلى الدنيا استدبرتها و استقبلت الآخرة فدار أنت إليها تسير أقرب إليك من دار أنت عنها متباعد يا بني جالس العلماء و زاحمهم بركبتيك و لا تجادلهم فيمنعوك و خذ من الدنيا بلاغا و لا ترفضها فتكون عيالا على الناس و صم صوما يقطع شهوتك و لا تصم صياما يمنعك من الصلاة فإن الصلاة أحب إلى الله من الصيام يا بني إن الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير فاجعل سفينتك فيها الإيمان و اجعل شراعها التوكل و اجعل زادك فيها تقوى الله فإن نجوت فبرحمة الله و إن هلكت فبذنوبك يا بني إن تأدبت صغيرا انتفعت به كبيرا يا بني خف الله خوفا لو أتيت يوم القيامة ببر الثقلين خفت أن يعذبك و أرج الله رجاء لو وافيت القيامة بذنوب الثقلين رجوت أن يغفر الله لك فقال له ابنه يا أبت و كيف أطبق هذا و إنما لي قلب واحد فقال يا بني لو
[327]
استخرج قلب المؤمن فشق لوجد فيه نوران نور للخوف و نور للرجاء لو وزنا ما رجح أحدهما على الآخر مثقال ذرة يا بني لا تركن إلى الدنيا و لا تشغل قلبك بها فما خلق الله خلقا هو أهون عليه منها أ لا ترى أنه لم يجعل نعيمها ثوابا للمطيعين و لم يجعل بلاءها عقوبة للعاصين .
و عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : كان فيما أوصى به لقمان ابنه ناتان أن قال له يا بني ليكن مما تتسلح به على عدوك فتصرعه المماسحة أي المصادقة و إعلان الرضا عنه و لا تزاوله بالمجانبة فيه فيبدو له ما في نفسك فيتأهب لك يا بني إني حملت الجندل و الحديد و كل حمل ثقيل فلم أحمل شيئا أثقل من جار السوء و ذقت المرارات كلها فلم أذق شيئا أمر من الفقر يا بني اتخذ ألف صديق و ألف قليل و لا تأخذ عدوا واحدا و الواحد كثير .
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) :
تكثر من الإخوان ما اسطعت أنهم *** عماد إذا ما استنجدوا و ظهور
و ليس كثير ألف خل و صاحب *** و إن عدوا واحدا لكثير
و قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : كان فيما وعظ به لقمان ابنه أن قال له يا بني ليعتبر من قصر يقينه و ضعفت نيته في طلب الرزق أن الله تبارك و تعالى خلقه في ثلاثة أحوال من أمره و آتاه رزقه و لم يكن له في واحدة منها كسب و لا حيلة و الله تبارك و تعالى سيرزقه في الحالة الرابعة و أما أول ذلك فكان في رحم أمه يرزقه هناك في قرار مكين حيث لا يؤذيه حر و لا برد ثم أخرجه من ذلك و أجرى له رزقا من لبن أمه يكفيه به و يربيه من غير حول و لا قوة ثم فطم من ذلك فأجرى له رزقا من كسب أبويه و رأفة له من قلوبهما لا يملكان غير ذلك حتى إنهما يؤثرانه على أنفسهما في أحوال كثيرة حتى إذا كبر و عقل و اكتسب و ضاق به أمره و ظن الظنون بربه و جحد الحقوق في ماله و قتر على نفسه و عياله مخافة إقتار رزق و سوء يقين بالخلف من الله له في العاجل و الآجل فبئس العبد هذا يا بني ثم قال يا بني إن تك في شك من الموت فادفع من نفسك النوم و لن تستطيع ذلك و إن كنت في شك من البعث فادفع عن نفسك الانتباه و لن تستطيع ذلك فإنك إذا فكرت في هذا علمت أن نفسك بيد غيرك و إنما النوم بمنزلة الموت و إنما
[328]
اليقظة بعد النوم بمنزلة البعث بعد الموت يا بني لا تقترب فيكون أبعد لك و لا تبتعد فتهان كل دابة تحب مثلها و ابن آدم لا يحب مثله لا تنشر برك إلا عند باغيه يا بني لا تتخذ الجاهل رسولا فإن لم تصب عاقلا حكيما يكون رسولك فكن أنت رسول نفسك فإذا تحيرتم في طريقكم فانزلوا و إذا شككتم بالقصد فقفوا و توامروا و إذا رأيتم شخصا واحدا فلا تسألوه عن طريقكم و لا تسترشدوه فإن الشخص الواحد في الفلاة مريب لعله أن يكون عينا للصوص أو يكون هو الشيطان الذي يحيركم و احذروا الشخصين أيضا إلا أن تروا ما لا أرى فإن العاقل إذا بصر بعينه شيئا عرف الحق منه و الشاهد يرى ما لا يرى الغائب يا بني فإذا جاء وقت الصلاة فلا تأخرها لشيء و صلها و استرح منها فإنها دين و صل في جماعة و لو على رأس زج و لا تنامن على دابتك فإن ذلك سريع في دبرها و ليس ذلك من فعل الحكماء إلا أن تكون في محل يمكنك التمدد لاسترخاء المفاصل و إذا قربت من المنزل فانزل عن دابتك و ابدأ بعلفها قبل نفسك و إذا نزلت فصل ركعتين قبل أن تجلس و إذا أردت قضاء حاجة فأبعد المذاهب في الأرض و إذا ارتحلت فصل ركعتين و ودع الأرض التي حللت بها و سلم عليها و على أهلها فإن لكل بقعة أهلا من الملائكة و إياك و السير من أول الليل و عليك بالتعريس و العجلة من لدن نصف الليل إلى آخره و إياك و رفع الصوت في مسيرك .
و قال أمين الإسلام الطبرسي اختلف في لقمان .
فقيل إنه كان حكيما و لم يكن نبيا عن ابن عباس و أكثر المفسرين .
و قيل : إنه كان نبيا .
و قيل : إنه كان عبدا أسودا حبشيا غليظ المشافر مشقوق الرجلين في زمن داود (عليه السلام) .
و قال له بعض الناس أ لست كنت ترعى الغنم معنا فمن أين أوتيت الحكمة قال أداء الأمانة و صدق الحديث و الصمت عما لا يعنيني .
و قيل : إنه كان ابن أخت أيوب .
و قيل : ابن خالته .
و عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) : لم يكن لقمان نبيا و لكنه كان عبدا كثير التفكر حسن اليقين أحب الله فأحبه و من عليه بالحكمة .
[329]
و ذكر أن مولى لقمان دعاه فقال اذبح شاة فأتني بأطيب مضغتين منها فأتاه بالقلب و اللسان ثم أمره بذبح شاة فقال له ائتني بأخبث مضغتين منها فأتاه بالقلب و اللسان فسأله عن ذلك فقال إنهما أطيب شيء إذا طابا و أخبث شيء إذا خبثا .
و روي أن مولاه دخل المخرج فأطال الجلوس فناداه لقمان أن طول الجلوس على الحاجة يفجع منه الكبد و يورث الباسور و يصعد الحرارة إلى الرأس فاجلس هونا و قم هونا .
قال فكتب حكمته على باب الحشر .
و روي أنه قدم من سفر فلقي غلامه في الطريق فقال ما فعل أبي قال مات قال ملكت أمري قال ما فعلت امرأتي قال ماتت قال أجدد فراشي قال ما فعلت أختي قال ماتت قال سترت عورتي قال ما فعل أخي قال مات قال انقطع ظهري .
و قيل : له ما أقبح وجهك قال تعيب على النقش أو على فاعل النقش. و روي أنه دخل على داود و هو يسرد الدرع و قد لين الله له الحديد كالطين فأراد أن يسأله فأدركته الحكمة فسكت فلما أتمها لبسها و قال نعم لبوس الحرب أنت فقال الصمت حكمة و قليل فاعله فقال له داود بحق ما سميت حكيما .
و قال المسعودي كان لقمان نوبيا مولى للقين بن حر ولد على عشرة سنين من ملك داود (عليه السلام) و كان عبدا صالحا و من الله عليه بالحكمة و لم يزل في فيافي الأرض مظهر للحكمة و الزهد في هذا العالم إلى أيام يونس بن متى حتى بعث إلى أهل نينوى من بلاد الموصل .
و من حكمته أنه قال يا بني إن الناس قد أجمعوا قبلك لأولادهم فلم يبق ما جمعوا و لا من جمعوا له و إنما أنت عبد مستأجر قد أمرت بعمل و وعدت عليه أجرا فأوفه عملك و استوف أجرك و لا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت في زرع أخضر فأكلت حتى سمنت فكان حتفها عند سمنها و لكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليها و تركتها و لم ترجع إليها آخر الدهر أخربها و لا تعمرها فإنك لم تؤمر بعمارتها و اعلم أنك ستسأل غدا إذا وقفت بين يدي الله عز و جل عن أربع شبابك فيما أبليته و عمرك فيما أفنيته و مالك مما اكتسبته و فيما أنفقته فتأهب لذلك و أعد له جوابا .
[330]
و قال لقمان لأن يضر بك الحكيم فيؤذيك خير من يدهنك الجاهل بدهن طيب يا بني لا تطأ أمتك و لو أعجبتك و انه نفسك عنها و زوجها يا بني لا تفشين سرك إلى امرأتك و لا تجعل مجلسك على باب دارك يا بني تعلمت سبعة آلاف من الحكمة فاحفظ منها أربعا و سر معي إلى الجنة أحكم سفينتك فإن بحرك عميق و خفف حملك فإن العقبة كئود و أكثر الزاد فإن السفر بعيد و أخلص العمل فإن الناقد بصير بيان التنزيل لابن شهرآشوب قال أول ما ظهر من حكم لقمان أن تاجرا سكر و خاطر نديمه أن يشرب ماء البحر كله و إلا سلم إليه ماله و أهله فلما أصبح و صحا ندم و جعل صاحبه يطالبه بذلك فقال لقمان أنا أخلصك بشرط أن لا تعود إلى مثله قل له أ أشرب الماء الذي كان فيه وقت إفادتي به أو أشرب ماءه الآن فسد أفواهه لأشربه أو أشرب الماء الذي يأتي به فاصبر حتى يأتي فأمسك صاحبه عنه .