اميرالنجف- .
- الجنس : عدد المساهمات : 206
نقاط : 22406
تاريخ التسجيل : 28/10/2012
من طرف اميرالنجف السبت نوفمبر 10, 2012 8:32 am
الفصل الثاني
في بيان ولادته (عليه السلام) و كسر الأصنام
و حال أبيه و ما جرى له مع فرعون
قال الله سبحانه أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَ أُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ
[100]
مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
أي لم ينته علمك الذي حاج إبراهيم أي خاصمه و هو نمرود بن كنعان و هو أول من تجبر و ادعى الربوبية و هذه المحاجة .
روي عن الصادق (عليه السلام) : أنها بعد إلقائه في النار .
و قوله أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ أي محاجته و مخاصمته مع إبراهيم طغيانا و بغيا باعتبار الملك الذي آتاه الله و الملك هنا عبارة عن نعيم الدنيا و هو بهذا المعنى يجوز أن يعطيه الله الكافر و المؤمن و أما الملك بمعنى تمليك الأمر و النهي و تدبير أمور الناس و إيجاب الطاعة على الخلق فلا يجوز أن يؤتيه الله إلا من يعلم أنه يدعو إلى الصلاح و السداد و الرشاد و لا يكون إلا للنبي و أهل بيته الطاهرين العالمين بما يحتاج إليه الأمة من أول أمرها إلى آخرها .
و قد ذكرت في بعض مؤلفاتي مباحثة مع بعض علماء العامة قلت له الشيطان يأمر بكل منكر و ينهى عن كل معروف قال نعم قلت الإمام يجب أن يكون نقيضا للشيطان يأمر بما ينهى عنه الشيطان و ينهى عما يأمر به الشيطان فقال نوافق على هذا القول فقلت و هذا لا يكون إلا إذا كان الإمام عالما بجميع الأوامر و النواهي الإلهية و إلا كان الشيطان أعلم منه و لم يكن على طرف نقيض مع الشيطان و من ادعيتم لهم الإمامة ليسوا على هذه الصفة بالإجماع على ما تواتر من قول الثاني كل الناس أفقه مني حتى المخدرات في الحجاب و قول الأول عند أغاليطه إن لي شيطانا يعتريني إذا زغت فقوموني و إذا ملت فسددوني و أما الثالث فحاله في الجهل أوضح من أن يذكر فعلى هذا الملك الذي وثبوا عليه و تقمصوه لم يكن ملك آتاهم الله حتى أوجب على الناس طاعتهم مع أنه لو كان الأمر كذلك يلزم الحرج على المكلفين لأن الأول في زمن خلافة ذهب إلى مذاهب و فتاوى في الأحكام لم يذهب إليها الثاني و عمل بضدها فكيف يجب متابعة الرجلين مع ما بينهما من التضاد و الخلاف في الأقوال و الأفعال ؟
و روي في تفسير قوله تعالى تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ أنه : قال رجل للصادق (عليه السلام) ملك بني أمية أ هو من الله تعالى فقال (عليه السلام) إنه ملك لنا من الله و لكن بنو أمية وثبوا عليه و غصبوه منا كمن كان له ثوب فجاء رجل فغصبه منه و لبسه فبلبسه له لم يصر ملكا له و لا ثوبه.
و المراد بالملك هنا هو معناه الثاني و أما الملك بمعناه الأول فلا مانع من تمكين الله سبحانه لهم منه كما أعطى ملوك الكفار و السلاطين الظالمين و كانوا من الفريقين .
[101]
و قوله الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ المراد بالإماتة هنا إخراج الروح من بدن الحي من غير جرح و لا نقص بنية و لا إحداث فعل يتصل بالبدن من جهته و هذا خارج عن قدرة البشر .
و قوله أَنَا أُحْيِي بالتخلية من الحبس وَ أُمِيتُ بالقتل و هذا جهل منه لأنه اعتمد في المعارضة على العبارة فقط دون المعنى عادلا عن وجه الحجة بفعل الحياة للميت أو الموت للحي على سبيل الاختراع الذي ينفرد سبحانه به و لا يقدر عليه سواه فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ أي تحير عن الانقطاع بما بان له من ظهور الحجة فإن قيل فهلا قال له نمرود فليأت بها ربك من المغرب .
قيل إنه لما رأى الآيات علم أنه لو اقترح ذلك لأتي به تصديقا لإبراهيم فكان يزداد بذلك فضيحة على أن الله سبحانه خذله و لطف لإبراهيم و اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ بالمعونة على بلوغ البغية من الفساد. عن ابن عباس أن الله سبحانه سلط على نمرود بعوضة فعضت شفته فأهوى إليها ليأخذها فطارت في منخره فذهب ليستخرجها فطارت في دماغه فعذبه الله بها أربعين ليلة ثم أهلكه .
تفسير علي بن إبراهيم بإسناده إلى الباقر (عليه السلام) أنه قال : ليهنئكم الاسم قيل ما هو قال وَ إِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ و قوله فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ليهنئكم الاسم.
أقول : الشيعة اسم تسمى الشيعة به و لقبوا به أنفسهم و أما الرافضة فاسم سمانا به المخالفون و جاء في الحديث أنه اسم للمؤمنين من قوم موسى سموا به لأنهم رفضوا فرعون و قومه فذخر الله سبحانه هذا الاسم لنا معاشر الشيعة.
و فيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) : إن آزر أبا إبراهيم (عليه السلام) كان منجما لنمرود بن كنعان فقال له إني أرى في حساب النجوم أن هذا الزمان يحدث رجلا فينسخ هذا الدين و يدعو إلى دين فقال له نمرود في أي بلاد يكون قال في هذه البلاد و لم يخرج بعد إلى الدنيا قال ينبغي أن نفرق بين الرجال و النساء ففرق و حملت أم إبراهيم بإبراهيم و لم يظهر حملها فلما حانت ولادتها قالت يا آزر إني قد اعتللت و أريد أن أعتزل عنك و كانت في ذلك الزمان المرأة إذا اعتلت اعتزلت عن زوجها فاعتزلت في غار و وضعت إبراهيم و قمطته و رجعت إلى منزلها و سدت
[102]
باب الغار بالحجارة فأجرى الله لإبراهيم لبنا من إبهامه و كانت تأتيه أمه و وكل نمرود بكل امرأة حامل فكان يذبح كل ولد ذكر فهربت أم إبراهيم بإبراهيم من الذبح و كان يشب إبراهيم في الغار يوما كما يشب غيره في الشهر حتى أتى له في الغار ثلاث عشرة سنة فلما كان بعد ذلك زارته أمه فلما أرادت أن تفارقه تشبث بها فقال يا أمي أخرجيني فقالت يا بني إن الملك إن علم أنك ولدت في هذا الزمان قتلك فلما خرجت أمه من الغار و قد غابت الشمس نظر إلى الزهرة في السماء فقال هذا ربي فلما غابت الزهرة فقال لو كان ربي ما زال و لا برح ثم قال لا أحب الآفلين الآفل الغائب فلما نظر إلى المشرق و قد طلع القمر قال هذا ربي هذا أكبر و أحسن فلما تحرك و زال قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فلما أصبح و طلعت الشمس و رأى ضوءها في الدنيا قال هذا أكبر و أحسن فلما تحركت و زالت كشف الله عن السماوات حتى رأى العرش و أراه الله ملكوت السماوات و الأرض فعند ذلك قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فجاء إلى أمه و أدخلته دارها و جعلته بين أولادها فنظر إليه آزر فقال من هذا الذي بقي في سلطان الملك و الملك يقتل أولاد الناس قالت هذا ابنك ولدته وقت كذا و كذا حين اعتزلت فقال ويحك إن علم الملك هذا نزلت منزلتنا عنده و كان آزر صاحب أمر نمرود و وزيره و كان يتخذ الأصنام له و للناس و يدفعها إلى ولده فيبيعونها فقالت أم إبراهيم لا عليك إن لم يشعر الملك به بقي لنا و إن شعر به كفيتك الاحتجاج عنه و كان آزر كلما نظر إلى إبراهيم أحبه حبا شديدا و كان يدفع إليه الأصنام ليبيعها كما يبيع إخوته فكان يعلق في أعناقها الخيوط و يجرها على الأرض و يقول من يشتري ما لا يضره و لا ينفعه و يغرقها في الماء و الحمام و يقول لها تكلمي فذكر إخوته ذلك لأبيه فنهاه فلم ينته فحبسه و لم يدعه يخرج ف حاجَّهُ قَوْمُهُ فقال إبراهيم أَ تُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَ قَدْ هَدانِ .
و قال (عليه السلام) : في أول يوم من ذي الحجة ولد إبراهيم خليل الرحمن (عليه السلام) .
و فيه أنه خرج نمرود و جميع أهل مملكتهم إلى عيد لهم و كره أن يخرج إبراهيم (عليه السلام) معهم فوكله ببيت الأصنام فلما ذهبوا عمد إبراهيم إلى طعام فأدخله بيت أصنامهم فكان يدنو من صنم صنم فيقول له كل و تكلم فإذا لم يجبه اتخذ القدوم فكسر يده و رجله حتى فعل ذلك بجميع الأصنام ثم علق القدوم في عنق الكبير
[103]
منهم الذي كان في الصدر فلما رجع الملك و من معه من العبيد نظروا إلى الأصنام متكسرة فقالوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ فقالوا هاهنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم و هو ابن آزر فجاءوا به إلى نمرود فقال نمرود لآزر خنتني و كتمت هذا الولد عني فقال أيها الملك هذا عمل أمه و ذكرت أنها تقوم بحجته فدعا نمرود أم إبراهيم فقال لها ما حملك على أن كتمتيني أمر هذا الغلام حتى فعل بآلهتنا ما فعل فقالت أيها الملك نظرا مني لرعيتك فقال و كيف ذلك قالت لأني رأيتك تقتل أولاد رعيتك فكان يذهب النسل فقلت إن كان هذا الذي يطلبه دفعته ليقتله و يكف عن أولاد الناس و إن لم يكن ذلك فبقي لنا ولدنا و قد ظفرت به فشأنك فكف عن أولاد الناس بصواب رأيها ثم قال لإبراهيم مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا قال فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ .
فقال الصادق (عليه السلام) : ما فعله كبيرهم و ما كذب إبراهيم لأنه إنما قال فعله كبيرهم هذا إن نطق و إن لم ينطق فلم يفعل كبيرهم هذا شيئا .
فاستشار نمرود قومه في إبراهيم فقالوا له أحرقوه و انصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين .
فقال الصادق (عليه السلام) : كان فرعون إبراهيم و أصحابه لغير رشدة فإنهم قالوا لنمرود أحرقوه و كان فرعون موسى و أصحابه لرشدة فإنه لما استشار أصحابه في موسى قالُوا أَرْجِهْ وَ أَخاهُ وَ أَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ .
فحبس إبراهيم و جمع له الحطب حتى إذا كان اليوم الذي ألقى فيه نمرود إبراهيم في النار برز نمرود و جنوده و كان بني لنمرود بناء ينظر منه إلى إبراهيم كيف تأخذه النار فجاء إبليس و اتخذ لهم المنجنيق لأنه لم يقدر أحد أن يتقارب منها و كان الطائر من مسيرة فرسخ يحترق فوضع إبراهيم في المنجنيق و جاء أبوه فلطمه لطمة و قال ارجع عما أنت عليه و لم يبق شيء إلا طلب إلى ربه و قالت الأرض يا رب ليس على ظهري أحد يعبدك غيره فيحرق و قالت الملائكة يا رب خليلك إبراهيم يحرق فقال الله عز و جل أما إنه إن دعاني كفيته و قال جبرئيل يا رب خليلك ليس في الأرض أحد يعبدك غيره سلطت عليه عدوه يحرقه بالنار فقال اسكت إنما يقول هذا عبد مثلك يخاف الفوت هو عبدي آخذه إذا شئت فإن دعاني أجبته فدعا إبراهيم (عليه السلام) ربه بسورة الإخلاص يا الله يا واحد يا أحد يا صمد يا من لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد نجني من النار برحمتك قال فالتقى معه جبرئيل في الهواء و قد وضع في المنجنيق فقال يا إبراهيم هل لك إلي من حاجة فقال إبراهيم
[104]
أما إليك فلا و أما إلى رب العالمين فنعم فدفع إليه خاتما عليه مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله ألجأت ظهري إلى الله و أسندت أمري إلى الله و فوضعت أمري إلى الله فأوحى الله إلى النار كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً فاضطربت أسنان إبراهيم من البرد حتى قال سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ فانحط جبرئيل و جلس معه يحدثه في النار و هو في روضة خضراء و نظر إليه نمرود فقال من اتخذ إلها فليتخذ إلها مثل إله إبراهيم فقال عظيم عن عظماء أصحاب نمرود إني عزمت على النار أن تحرقه فخرج عمود من النار نحو الرجل فأحرقه و نظر نمرود إلى إبراهيم في روضة خضراء في النار مع شيخة يحدثه فقال لآزر ما أكرم ابنك على ربه قال و كان الوزغ ينفخ في نار إبراهيم و كان الضفدع يذهب بالماء ليطفئ به النار قال و لما قال الله تبارك و تعالى للنار كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً لم يعمل النار في الدنيا ثلاثة أيام وَ نَجَّيْناهُ وَ لُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ إلى الشام و سواد الكوفة .
أقول قال الرازي اختلفوا في أن النار كيف بردت على ثلاثة أوجه أحدها أن الله تعالى أزال منها ما فيها من الحر و الإحراق و أبقى ما فيها من الإضاءة و الإشراق و ثانيها الله سبحانه خلق في جسم إبراهيم كيفية مانعة من وصول أذى النار إليه كما يفعل بخزنة جهنم في الآخرة كما أنه ركب بنية النعامة بحيث لا يضرها ابتلاع الحديدة المحماة بدن السمندر و بحيث لا يضره المكث في النار و ثالثها أنه خلق بينه و بين النار حائلا يمنع من وصول النار إليه .
قال المحققون و الأول أولى لأن ظاهر قوله يا نارُ كُونِي بَرْداً أن نفس النار صارت باردة .
و عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنه لما ألقي إبراهيم في النار نزل جبرئيل (عليه السلام) بقميص من الجنة و طنفسة من الجنة فألبسه القميص و أقعده على الطنفسة و قعد معه يحدثه .
و في التفسير أنه لما ألقى نمرود إبراهيم (عليه السلام) في النار و جعلها الله بردا و سلاما قال نمرود يا إبراهيم من ربك قال ربي الذي يحيي و يميت قال له نمرود أنا أحيي و أميت قال إبراهيم كيف تحيي و تميت قال أعمد إلى رجلين ممن قد وجب عليهما القتل فأطلق عن واحد و أقتل واحدا فكنت أمت و أحييت فقال إبراهيم إن كنت صادقا فاحي الذي قتلته ثم قال دع هذا فإن ربي يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر
[105]
و عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ملك الأرض كلها أربعة مؤمنان و كافران فأما المؤمنان فسليمان بن داود و ذو القرنين (عليه السلام) و الكافران نمرود و بختنصر و اسم ذي القرنين عبد الله بن ضحاك بن معد و أول منجنيق عمل في الدنيا منجنيق عمل لإبراهيم (عليه السلام) بسور الكوفة في نهر يقال له كوفي و في قرية يقال لها قنطانا .
علل الشرائع : سأل الشامي أمير المؤمنين (عليه السلام) عن قول الله عز و جل يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَ أُمِّهِ وَ أَبِيهِ وَ صاحِبَتِهِ وَ بَنِيهِ من هم فقال (عليه السلام) قابيل يفر من هابيل و الذي يفر من أمه موسى و الذي يفر من أبيه إبراهيم و الذي يفر من صاحبته لوط و الذي يفر من ابنه نوح يفر من ابنه كنعان .
أقول : قال الصدوق طاب ثراه إن موسى (عليه السلام) يفر من أمه خوفا أن لا يعرفها حق تربيتها له و قيل إنها كانت مرضعة ترضعه في بيت فرعون قبل وقوعهم على أمه و كانت كافرة و أما أبو إبراهيم فالمراد عمه و إلا فأبوه تارخ كان من المسلمين .
و عن أبي عبد الله (عليه السلام) : أنه لما أضرمت النار على إبراهيم (عليه السلام) شكت هوام الأرض إلى الله عز و جل و استأذنته أن تصب عليها الماء فلم يأذن الله عز و جل لشيء منها إلا الضفدع فاحترق منه الثلثان و بقي منه ثلث .
و عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال : يا أبا إسحاق إن في النار لواديا يقال له سقر لم يتنفس منذ خلقه الله و إن أهل النار ليتعوذون من حر ذلك الوادي و نتنه و قذره و ما أعد الله فيه لأهله و إن لذلك الوادي لجبلا يتعوذ جميع أهل ذلك الوادي من حر ذلك الجبل و نتنه و قذره و ما أعد الله فيه لأهله و إن في الجبل لشعبا يتعوذ جميع أهل ذلك الجبل من حر ذلك الشعب و نتنه و قذره و ما أعد الله فيه و إن في ذلك الشعب لقليبا يتعوذ أهل ذلك الشعب من حر ذلك الشعب و نتنه و قذره و ما أعد الله فيه لأهله و إن في ذلك القليب لحية يتعوذ أهل ذلك القليب من خبث تلك الحية و نتنها و قذرها و ما أعد الله في أنيابها من السم لأهلها و إن في جوف تلك الحية لسبع صناديق فيها خمسة من الأمم السالفة و اثنان من هذه الأمة قال قلت جعلت فداك من الخمسة و من الاثنين قال فأما الخمسة فقابيل الذي قتل هابيل و نمرود الذي حاج إبراهيم في ربه و فرعون الذي قال أنا ربكم الأعلى و يهودا الذي هود اليهود و بولس الذي نصر النصارى و من هذه الأمة أعرابيان .
أقول : يعني به الأول و الثاني و سماهما أعرابيان لما فيهما من الجفاء
[106]
و عن الرضا (عليه السلام) قال : لما رمي إبراهيم في النار دعا الله بحقنا فجعل الله النار عليه بردا و سلاما و قال (عليه السلام) لما ألقاه الله في النار أنبت الله في حواليه من الأشجار الخضرة النضرة النزهة و أنبت حوله من أنواع الأشجار ما لا يوجد في الفصول الأربعة من السنة .
كتاب المحاسن رفعه إلى علي بن الحسين (عليه السلام) : أن هاتفا هتف به فقال يا علي بن الحسين أي شيء كانت العلامة بين يعقوب و يوسف فقال لما قذف إبراهيم في النار هبط جبرئيل بقميص فضة فألبسه إياه ففرت عنه النار و نبت حوله النرجس فأخذ إبراهيم (عليه السلام) القميص فجعله في عنق إسحاق في قصبة من فضة و علقها إسحاق في عنق يعقوب و علقها يعقوب في عنق يوسف (عليه السلام) فقال له إن نزع هذا القميص من بدنك علمت أنك ميت أو قد قتلت فلما دخل عليه إخوته أعطاهم القصبة و أخرجوا القميص فاحتملت الريح رائحته فألقته على وجه يعقوب بالأردن فقال إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ .
العياشي عن الحرث عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : إن نمرود أراد أن ينظر إلى ملك السماء فأخذ نسورا أربعة فرباهن و جعل تابوتا من خشب و أدخل فيه رجلا ثم شد قوائم النسور بقوائم التابوت ثم جعل في وسط التابوت عمودا و جعل في رأس العمود لحما فلما رأت النسور اللحم طارت بالتابوت و الرجل فارتفعت فمكث ما شاء الله ثم إن الرجل أخرج من التابوت رأسه فنظر إلى السماء فإذا هي على حالها و نظر إلى الأرض فإذا هو لا يرى الجبال إلا كالذر ثم مكث ساعة فنظر إلى السماء فإذا هي على حالها و نظر إلى الأرض فإذا هو لا يرى إلا الماء ثم مكث ساعة فنظر إلى السماء فإذا هي على حالها و نظر إلى الأرض فإذا هو لا يرى شيئا ثم وقع في ظلمة لم ير ما فوقه و ما تحته ففزع فألقى اللحم فاتبعته النسور منقضة فلما نظرت الجبال إليها و قد أقبلت منقضة و سمعت حفيفها فزعت و كادت أن تزول مخافة أمر السماء و هو قول الله وَ إِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ .
الكافي بإسناده إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إن إبراهيم (عليه السلام) كان مولده بكوثى يعني قرية من قرى الكوفة و كان أبوه من أهلها و كانت أم إبراهيم و أم لوط أختين و هما ابنتان للاحج و كان لاحج نبيا منذرا و لم يكن رسولا و إن إبراهيم لزوج سارة و هي ابنة خالته و كانت سارة صاحبة ماشية كثيرة و أرض
[107]
واسعة و حال حسنة فملكته إبراهيم (عليه السلام) فقام فيه و أصلحه و لما كسر أصنام نمرود و أمر بإحراقه و لم يحترق أمرهم أن ينفوه من بلاده و أن يمنعوه من الخروج بما يشتهيه و ماله فحاجهم إبراهيم فقال إن أخذتم ماشيتي و مالي فإن حقي عليكم أن تردوا علي ما ذهب من عمري في بلادكم و اختصموا إلى قاضي نمرود فقضى أن الحق لإبراهيم فخلوا سبيله و سبيل ماشيته و ماله فأخرجوا إبراهيم و لوطا معه من بلادهم إلى الشام إلى بيت المقدس فعمل تابوتا و جعل فيه سارة و شد عليه الأغلاق غيرة منه عليها و مضى حتى خرج من سلطان نمرود و دخل في سلطان رجل من القبط يقال له عرارة فمر بعاشر له فاعترضه العاشر ليعشر ما معه فقال العاشر لإبراهيم افتح هذا التابوت حتى نعشر ما فيه فقال إبراهيم قل ما شئت فيه من ذهب أو فضة حتى نعطيك عشره و لا تفتحه فأبى العاشر إلا فتحه و غضب إبراهيم (عليه السلام) فلما بدت له سارة و كانت موصوفة بالحسن و الجمال قال له العاشر ما هذه منك قال إبراهيم هي حرمتي و ابنة خالتي فقال له العاشر لست أدعك تبرح حتى أعلم الملك حالها و حالك فبعث رسولا إلى الملك فأعلمه فبعث الملك رسولا من قبله ليأتوه بالتابوت فقال إبراهيم (عليه السلام) لا أفارق التابوت فحملوه مع التابوت إلى الملك فقال له افتح التابوت فقال إبراهيم إن فيها حرمتي و ابنة خالتي و أنا مفتد لا أفتحه بجميع ما معي فغضب الملك على إبراهيم لعدم فتحه فلما رأى سارة لم يملك حلمه أن مد يده إليها فأعرض إبراهيم وجهه عنه و عنها غيرة و قال اللهم احبس يده عن حرمتي و ابنة خالتي فلم تصل يده إليها و لم ترجع إليه فقال له الملك إن إلهك هو الذي فعل بي هذا فقال نعم إن إلهي غيور يكره الحرام فقال له الملك فادع إلهك أن يرد علي يدي فإن أجابك فلم أتعرض لها فقال إبراهيم إلهي رد عليه يده ليكف عن حرمتي فرد الله عز و جل عليه يده فأقبل الملك عليها ببصره ثم عاد بيده نحوها فأعرض إبراهيم غيرة و قال اللهم احبس يده عنها فيبست يده و لم تصل إليها فقال الملك لإبراهيم إن إلهك لغيور و إنك لغيور فادع إلهك يرد علي يدي فإنه إن فعل لم أعد أفعل فقال إبراهيم أسأله ذلك على أنك إن عدت لم تسألني أن أسأله فقال له الملك نعم فقال إبراهيم اللهم إن كان صادقا فرد عليه يده فرجعت إليه فلما رأى الملك ذلك عظم إبراهيم عنده و أكرمه و اتقاه و قال له انطلق حيث شئت و لكن لي إليك حاجة و هو أن تأذن لي أن أخدمها قبطية عندي جميلة عاقلة تكون لها خادما فأذن له إبراهيم فوهبها لسارة و هي هاجر أم
[108]
إسماعيل فسار إبراهيم بجميع ما معه و خرج الملك معه يمشي خلف إبراهيم إعظاما له و هيبة فأوحى الله تبارك و تعالى إلى إبراهيم أن قف و لا تمش قدام الجبار و لكن اجعله أمامك و عظمه فإنه مسلط و لا بد من آمر في الأرض بر أو فاجر فوقف إبراهيم (عليه السلام) و قال للملك امض فإن إلهي أوحى إلي الساعة أن أعظمك و أهابك و أن أقدمك أمامي و أمشي خلفك فقال له الملك أشهد أن إلهك لرقيق حليم كريم و أنت ترغبني في دينك فودعه الملك و سار إبراهيم حتى نزل بأعلى الشامات و خلف لوطا (عليه السلام) في أدنى الشامات ثم إن إبراهيم (عليه السلام) لما أبطأ عليه الولد قال لسارة لو شئت لبعتيني هاجر لعل الله يرزقنا منها ولدا فيكون لنا خلفا فابتاع إبراهيم هاجر من سارة (عليه السلام) فوقع عليها فولدت إسماعيل (عليه السلام) .
أقول : بقي في هذا المقام أمور لا بد من التنبيه عليها الأمر الأول اختلف علماء الإسلام في أب إبراهيم (عليه السلام) قال الرازي في تفسير قوله تعالى وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ ظاهر هذه الآية تدل على أن اسم والد إبراهيم (عليه السلام) هو آزر و منهم من قال اسمه تارخ قال الزجاج الاختلاف بين النسابين أن اسمه تارخ و من الملحدة من جعل هذا طعنا في القرآن و ذكر له وجوها منها أن والد إبراهيم (عليه السلام) كان تارخ و آزر كان عما له و العم قد يطلق عليه لفظ الأب كما حكى الله عن أولاد يعقوب أنهم قالوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَ إِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ و معلوم أن إسماعيل كان عما ليعقوب و قد أطلقوا عليه لفظ الأب فكذا هاهنا .
ثم قال قالت الشيعة إن أحدا من آباء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما كان كافرا و ذكروا أن آزر كان عمه و احتجوا على قولهم بوجوه الحجة الأولى أن آباء نبينا ما كانوا كفارا لوجوه منها قوله تعالى الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَ تَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ. يعني أنه كان ينقل روحه من ساجد إلى ساجد و يدل عليه أيضا .
قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات.
و قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فلا يكون أحد أجداده منهم .
و أيضا أجمع الإمامية رضوان الله عليهم على إسلام والد إبراهيم (عليه السلام) و حينئذ فالأخبار الدالة على أنه كان مشركا أباه حقيقة محمولة على التقية.
[109]
الأمر الثاني في قول إبراهيم إِنِّي سَقِيمٌ و اختلف في معناه على أقوال أحدها أنه نظر في النجوم فاستدل بها على وجه حمى كانت تعتوره فقال إني سقيم أي حضر وقت ذلك المرض فكأنه قال إني سأسقم .
و ثانيها أنه نظر في النجوم كنظرهم لأنهم يتعاطون علم النجوم فأوهمهم أنه يقول بمثل قولهم فقال عند ذلك إني سقيم فتركوه ظنا منهم أن نجمه يدل على سقمه .
و ثالثها أن يكون الله أعلمه بالوحي أنه سيسقمه في وقت مستقبل و جعل العلامة على ذلك إما طلوع نجم على وجه مخصوص أو اتصاله بآخر على وجه مخصوص .
فلما رأى إبراهيم (عليه السلام) تلك الأمارة قال إني سقيم تصديقا لما أخبره الله تعالى سبحانه .
و رابعها أن معنى قوله إِنِّي سَقِيمٌ أي سقيم القلب أو الرأي حزنا من إصرار القوم على عبادة الأصنام و يكون على ذلك معنى نظره في النجوم فكرته في أنها محدثة مخلوقة فكيف ذهب على العقلاء حتى عبدوها و الذي ورد في الأخبار هو أنه (عليه السلام) أوهمهم بالنظر في النجوم لموافقتهم و قال إني سقيم تورية و جاء في الأخبار تجويز الكذب و التورية لأجل التقية .
و في حديث صحيح أنه قال إِنِّي سَقِيمٌ يعني بما يفعل بالحسين (عليه السلام) لأنه عرفه من علم النجوم يعني من نجم الحسين (عليه السلام) لأن الأنبياء و الأئمة (عليهم السلام) كل واحد له نجم في السماء ينسب إليه كما ورد في الحديث .
إن زحل نجم أمير المؤمنين (عليه السلام) فلا يقال إنه نحس كما يقوله الناس.
الأمر الثالث قوله (عليه السلام) هذا رَبِّي و قيل في تأويله وجوه الأول أنه (عليه السلام) إنما قال عند كمال عقله في زمان مهلة النظر فإنه تعالى لما أكمل عقله و حرك دواعيه على الفكر و التأمل و رأى الكوكب فأعظمه نوره و قد كان قومه يعبدون الكواكب فقال هذا ربي على سبيل الفكر فلما غاب علم أن الأفول لا يجوز على الإله فاستدل بذلك على أنه محدث مخلوق و كذلك كان حاله في رؤية القمر و الشمس قال في آخر كلامه يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ و كان هذا القول منه عقيب معرفته بالله تعالى و علمه بأن صفات المحدثين لا تجوز عليه و في بعض الأخبار إيماء إليه.
[110]
الثاني أنه كان عارفا بعدم صلاحيتها للربوبية و لكن قال ذلك في مقام الاحتجاج على عبدة الكواكب على سبيل الفرض الشائع عند المناظرة فكأنه أعاد كلام الخصم ليلزم عليه المحال و يؤيده بعد ذلك وَ تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ .
الثالث أن يكون المراد هذا ربي في زعمكم و اعتقادكم و نظيره أن يقول الموحد للمجسم إن إلهه جسم محدود أي في زعمه و اعتقاده و قوله تعالى وَ انْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً .
الرابع أن يكون المراد منه الاستفهام على سبيل الإنكار .
الخامس أن يكون القول مضمرا أي يقولون هذا ربي.
السادس أن يكون قوله ذلك على سبيل الاستهزاء كما يقال الدليل ساد قوما هذا سيدكم على وجه الهزء .
السابع أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أراد أن يبطل قولهم بربوبية الكواكب إلا أنه كان قد عرف من تقليدهم لأسلافهم و بعد طباعهم عن قبول الدلائل أنه لو صرح بالدعوة إلى الله لم يقبلوه و لم يلتفتوا إليه فمال إلى طريق يستدرجهم به إلى استماع الحجة و ذلك بأنه ذكر كلاما يوهم كونه مساعدا لهم على مذهبهم مع أن قلبه كان مطمئنا بالإيمان فكأنه بمنزلة المكره على إجراء كلمة الكفر على اللسان على وجه المصلحة لإحياء الخلق بالإيمان .
الأمر الرابع وجه الاستدلال بالأفول على عدم صلاحيتها للربوبية .
قال الرازي الأفول عبارة عن غيبوبة الشيء بعد ظهوره .
و إذا عرفت هذا فلسائل أن يقول الأفول إنما يدل على الحدوث من حيث إنه حركة و على هذا يكون الطلوع أيضا دليلا على الحدوث فلم ترك إبراهيم (عليه السلام) الاستدلال على حدوثها بالطلوع و عول في إثبات هذا المطلوب على الأفول .
و الجواب أنه لا شك أن الطلوع و الغروب يشتركان في الدلالة على الحدوث و إلا فإن الدليل الذي يحتج به الأنبياء في معروض دعوة الخلق كلهم إلى الإله لا بد و أن يكون ظاهرا جليا بحيث يشترك في فهمه الذكي و الغبي و العاقل و دلالة الحركة على الحدوث و إن كانت يقينية إلا أنها دقيقة لا يعرفها إلا الأفاضل من الخلق و أما دلالة الأفول فكانت على هذا المقصود و أيضا قال بعض المحققين الهوى في حظيرة الإمكان .
[111]
أقول و أحسن الكلام ما يحصل فيه حصة الخواص و حصة الأوساط و حصة العوام فإن الخواص يفهمون من الأفول الإمكان و كل ممكن محتاج و المحتاج لا يكون مقطعا للحاجة فلا بد من الانتهاء إلى ما يكون منزها عن الإمكان حتى تنقطع الحاجات بسبب وجوده كما قال وَ أَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى و أما الأوساط فإنهم يفهمون من الأفول مطلق الحركة فكل متحرك محدث و كل محدث محتاج إلى القديم القادر فلا يكون الأقل إلها بل الإله هو الذي احتاج إليه هذا الأقل و أما العوام فإنما يفهمون من الأفول الغروب و هم يشاهدون أن كل كوكب يقرب من الأفول فإنه يزول فورا ضوؤه و يذهب سلطانه و يصير كالمعدوم و من كان كذلك فإنه لا يصلح للإلهية فهذه الكلمة الواحدة أعني قوله لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ مشتملة على نصيب المقربين و أصحاب اليمين و أصحاب الشمال فكانت أكمل الدلائل و أفضل البراهين و فيه دقيقة أخرى و هي أنه (عليه السلام) كان يناظرهم و هم كانوا منجمين و مذهب أهل النجوم إذا كان في الربع الشرقي و يكون شاهدا إلى وسط السماء كان قويا عظيم التأثر و أما إذا كان غربيا و قريبا من الأفول فإنه يكون ضعيف الأثر قليل القوة فنبه بهذه الدقيقة على أن الإله هو الذي لا تتغير قدرته إلى العجز و كماله إلى النقص و مذهبكم أن الكوكب حال كونه في الربع الغربي يكون ضعيف القوة ناقص التأثير عاجزا عن التدبير و ذلك يدل على القدح في إلهيته فظهر أن على قول المنجمين للأفول مزيد اختصاص في كونه موجبا للقدح في الإلهية انتهى .
الأمر الخامس تأويل قوله (عليه السلام) بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ و قد ذكروا له وجوها الأول ما ذكره علم الهدى نور الله ضريحه و هو أن الخبر مشروط غير مطلق لأنه قال إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ و معلوم أن الأصنام لا تنطق فما علق على المستحيل فهو مستحيل فأراد إبراهيم توبيخهم بعبادة من لا ينطق و لا يقدر أن يخبر عن نفسه بشيء فإذا علم استحالة النطق علم استحالة الفعل و علم باستحالة الأمرين أنه لا يجوز أن تكون آلهة معبودة و أن من عبدها ضال مضل و لا فرق بين قوله إنهم فعلوا ذلك إن كانوا ينطقون و بين قوله إنهم ما فعلوا ذلك و لا غيره لأنهم لا ينطقون و لا يقدرون .
و أما قوله فَسْئَلُوهُمْ فإنما هو أمر بسؤالهم أيضا على شرط و النطق منهم شرط في الأمرين فكأنه قال إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ فاسألوهم فإنه لا يمتنع أن يكونوا فعلوه
[112]
و هذا يجري مجرى قول أحدنا لغيره من فعل هذا الفعل فيقول زيد فعل كذا و كذا و يشير إلى فعله يضيفه السائل إلى زيد و ليس في الحقيقة من فعله و يكون غرض المسئول نفي الأمرين عن زيد و تنبيه السائل على خطئه في إضافته إلى زيد .
الثاني أنه لم يكن قصد إبراهيم (عليه السلام) إلى أن ينسب الأمر الصادر عنه إلى الصنم و إنما قصد تقريره لنفسه و إثباته لها على وجه تعريضي و هذا كما لو قال صاحبك و قد كتبت كتابا بخط رشيق و أنت تحسن الخط أنت كتبت هذا و صاحبك لا يحسن الخط فقلت له بل كنت أنت كان قصدك بهذا الجواب تقريره لك مع الاستهزاء لا نفيه عنك .
الثالث أن إبراهيم (عليه السلام) غاظته تلك الأصنام حيث أبصرها مصفقة مرتبة فكان غيظه من كبيرها أشد لما رأى من زيادة تعظيمهم له فأسند الفعل إليه لأنه هو السبب في استهانته و حطمه لها و الفعل كما يسند إلى مباشره يسند إلى الحامل عليه .
الرابع أنه قال على وجه التورية لما فيه من الإصلاح .
روي في الكافي بإسناده إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا كذب على مصلح ثم تلى أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ ثم قال و الله ما سرقوا و ما كذب ثم تلى بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ فقال و الله ما فعلوا و ما كذب .
و هذا إرادة الإصلاح و دلالة على أنهم لا يعقلون و بقيت وجوه أخر لا نطول الكتاب بذكرها.