اميرالنجف- .
- الجنس : عدد المساهمات : 206
نقاط : 22406
تاريخ التسجيل : 28/10/2012
من طرف اميرالنجف السبت نوفمبر 10, 2012 10:41 am
الفصل الرابع
في بعثه موسى و هارون إلى فرعون
و تفصيل الأحوال إلى وقت غرق فرعون و قومه
أما الآيات الواردة فيه فكثيرة و أما الأخبار فمستفيضة .
قال الثقة علي بن إبراهيم وَ قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَ تَذَرُ مُوسى وَ قَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ يَذَرَكَ وَ آلِهَتَكَ قال كان فرعون يعبد الأصنام ثم ادعى بعد ذلك الربوبية فقال فرعون سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَ نَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَ إِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ فقال الذين آمنوا لموسى قد أوذينا قبل مجيئك يا موسى بقتل أولادنا و من بعد ما جئتنا لما حبسهم فرعون لإيمانهم بموسى فقال موسى عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَ يَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ .
و ذلك أنه لما سجد السحرة آمن الناس بموسى فقال هامان لفرعون إن الناس قد آمنوا بموسى فانظر من دخل في دينه فاحبسه فحبس كل من آمن به من بني إسرائيل فجاء إليه موسى فقال له خل عن بني إسرائيل فلم يفعل فأنزل الله عليهم في تلك السنة الطوفان فخرب دورهم و مساكنهم حتى خرجوا إلى البرية و ضربوا فيها الخيام .
فقال فرعون لموسى ادع ربك حتى يكف عنا الطوفان حتى أخلي عن بني إسرائيل و أصحابك فدعا موسى ربه فكف عنهم الطوفان و هم فرعون أن يخلي عن بني إسرائيل فقال له هامان إن خليت بني إسرائيل غلبك موسى و أزال ملكك فقبل منه و لم يخل عن بني إسرائيل .
فأنزل الله عليهم في السنة الثانية الجراد فأكلت كل شيء لهم من النبت و الشجر حتى
[235]
كادت تجرد شعرهم و لحاهم فجزع فرعون من ذلك جزعا شديدا و قال يا موسى ادع ربك أن يكف عنا الجراد حتى أخلي عن بني إسرائيل و أصحابك فدعا موسى ربه فكف عنهم الجراد فلم يدعه هامان أن يخلي عن بني إسرائيل .
فأنزل الله عليهم في السنة الثالثة القمل فذهبت زروعهم و أصابتهم المجاعة فقال فرعون لموسى إن دفعت عنا القمل كففت عن بني إسرائيل فدعا موسى ربه حتى ذهب القمل .
و قال أول ما خلق الله القمل في ذلك الزمان فلم يخل عن بني إسرائيل .
فأرسل الله عليهم بعد ذلك الضفادع فكانت تكون في طعامهم و شرابهم .
و يقال إنها تخرج من أدبارهم و آذانهم و آنافهم فجزعوا من ذلك جزعا شديدا فجاءوا إلى موسى فقالوا ادع الله أن يذهب عنا الضفادع فإنا نؤمن بك و نرسل معك بني إسرائيل فدعا موسى ربه فرفع الله عنهم ذلك .
فلما أبوا أن يخلوا عن بني إسرائيل حول الله ماء النيل دما فكان القبطي يراه دما و الإسرائيلي يراه ماء فإذا شربه الإسرائيلي كان ماء و إذا شربه القبطي يشربه دما فكان القبطي يقول للإسرائيلي خذ الماء في فمك و صبه في فمي فكان إذا صبه في فمه تحول دما فجزعوا من ذلك جزعا شديدا فقالوا لموسى لئن رفع عنا الدم لنرسلن معك بني إسرائيل فلما رفع عنهم غدروا و لم يخلوا عن بني إسرائيل. فأرسل الله عليهم الرجز و هو الثلج الأحمر و لم يروه قبل ذلك فماتوا فيه و جزعوا و أصابهم ما لم يعهدوه من قبل فقالوا لموسى ادع لنا ربك بما عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن بك و لنرسلن معك بني إسرائيل فكشف عنهم الثلج فخلوا عن بني إسرائيل .
فلما خلي عنهم اجتمعوا إلى موسى و خرج موسى من مصر و اجتمع إليه من كان هرب من فرعون و بلغ فرعون ذلك فقال له هامان قد نهيتك أن تخلي عن بني إسرائيل فقد استجمعوا إليه فجزع فرعون و بعث فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ و خرج في طلب موسى .
أقول : إن فرعون كان يستعبد الناس و يعبد الأصنام بنفسه و كان الناس يعبدونها تقربا إليه.
[236]
و قيل كان يعبد ما يستحسن من البقر .
و روي أنه كان يأمرهم أيضا بعبادة البقر و لذلك أخرج السامري لهم عجلا .
و أما الطوفان فقيل هو الماء الخارج عن العادة .
و قيل : هو الموت الذريع .
و قيل : هو الطاعون بلغة اليمن أرسل الله ذلك على بكارته آل فرعون في ليلة فلم يبق منهم إنسان و لا دابة .
و قيل : هو الجدري و هم أول من عذبوا به فبقي في الأرض .
و اختلف في القمل أيضا فقيل هو صغار الجراد الذي لا أجنحة لها .
و قيل : صغار الذر .
و قيل : دواب سود كالقراد .
و قيل : هو السوس الذي يخرج من الحنطة .
تفسير علي بن إبراهيم بإسناده إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال : لما بعث موسى (عليه السلام) إلى فرعون أتى بابه فاستأذن عليه فضرب بعصاه الباب فاصطكت الأبواب مفتحة ثم دخل على فرعون فأخبروه أنه رسول رب العالمين و سأله أن يرسل معه بني إسرائيل فقال أَ لَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَ لَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَ فَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ أي قتلت الرجل وَ أَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ يعني كفرت نعمتي فتجاوبا الكلام إلى أن قال موسى أَ وَ لَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ قالَ فرعون فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ فلم يبق من جلساء فرعون شخص إلا هرب و دخل فرعون من الرعب ما لم يملك فقال فرعون أنشدك الله و الرضاع إلا كففتها عني ثم نَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ فأخذ فلما أخذ موسى العصا رجعت إلى فرعون نفسه و هم بتصديقه فقام إليه هامان فقال بينما أنت إله تعبد إذ صرت تابعا لعبد ثم قال فرعون للملإ الذين حوله إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ .
[237]
و كان فرعون و هامان قد تعلما السحر و إنما غلبا الناس بالسحر و ادعى فرعون الربوبية بالسحر فلما أصبح بعث في المدائن حاشرين و جمعوا ألف ساحر و اختار من الألف ثمانين فقال السحرة لفرعون قد علمت أنه ليس في الدنيا أسحر منا فإن غلبنا موسى فما عندك قال أشارككم في ملكي قالوا فإن غلبنا موسى و أبطل سحرنا علمنا أن ما جاء به ليس بسحر آمنا به و صدقناه فقال فرعون فإن غلبكم موسى صدقته أنا أيضا معكم و كان موعدهم يوم عيد لهم فلما ارتفع النهار و جمع فرعون الخلق و السحرة و كانت له قبة طولها في السماء سبعون ذراعا و قد كانت لبست بالفولاذ المصقول و كانت إذا وقعت عليها الشمس لم يقدر أحد أن ينظر من لمع الحديد و وهج الشمس فقالت السحرة لفرعون إنا نرى رجلا ينظر إلى السماء و لم يبلغ سحرنا السماء و ضمنت السحر في الأرض فقالوا لموسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَ إِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ ف قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَ عِصِيَّهُمْ فأقبلت تضطرب مثل الحيات ف قالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى فنودي لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى وَ أَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ فألقى موسى العصا فذابت في الأرض مثل الرصاص ثم طلع رأسها و فتحت فاها و وضعت شدقتها العليا على رأس قبة فرعون ثم دارت و التقمت عصي السحرة و حبالهم و انهزم الناس حين رأوا عظمها فقتل في الهزيمة من وطي الناس بعضهم بعضا عشرة آلاف رجل و امرأة و صبي و دارت على قبة فرعون قال فأحدث فرعون و هامان في ثيابهما و شاب رأسهما من الفزع و مر موسى في الهزيمة مع الناس فناداه الله خُذْها وَ لا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى فرجع موسى و لف على يديه عباءة ثم أدخل يده في فمها فإذا هي عصا كما كانت فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً لما رأوا ذلك قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَ هارُونَ فغضب فرعون من ذلك و قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ فقالوا له إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا فحبس فرعون من آمن بموسى في السجن حتى أنزل الله عليهم الطوفان و الجراد و الضفادع و الدم فانطلق عنهم .
[238]
فأوحى الله إلى موسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فخرج موسى ببني إسرائيل ليقطع بهم البحر و جمع فرعون أصحابه و بعث في المدائن حاشرين و حشر الناس و قد تقدم مقدمته في ستمائة ألف و ركب هو في ألف و ألف و خرج كما حكى الله عز و جل فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ وَ كُنُوزٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ كَذلِكَ وَ أَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ فلما قرب موسى من البحر و قرب فرعون من موسى قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ فقال موسى كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ أي سينجيني فدنا موسى من البحر فقال له انفرق فقال له البحر استكبرت يا موسى أن تقول لي أنفرق لك و لم أعص الله طرفة عين و قد كان فيكم العاصي فقال له موسى فاحذر أن تعصي و قد علمت أن آدم أخرج من الجنة بمعصيته و إنما لعن إبليس بمعصيته قال البحر عظيم ربي مطاع أمره فقام يوشع بن نون فقال لموسى يا رسول الله ما أمرك ربك فقال بعبور البحر فأقحم فرسه الماء و أوحى الله إلى موسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فضربه فكان كل فرق كالطود العظيم فضرب له في البحر اثني عشر طريقا فأخذ كل سبط في طريق فكان قد ارتفع الماء و بقت الأرض يابسة طلعت فيها الشمس و يبست و دخل موسى البحر و كان أصحابه اثني عشر سبطا فضرب الله لهم في البحر اثني عشر طريقا فأخذ كل سبط في طريق و كان الماء قد ارتفع على رءوسهم مثل الجبال فجزعت الفرقة التي كانت مع موسى في طريقه فقالوا يا موسى أين إخواننا فقال لهم معكم في البحر فلم يصدقوه فأمر الله البحر فصار طرقات حتى كان ينظر بعضهم إلى بعض و يتحدثون و أقبل فرعون بجنوده فلما انتهى إلى البحر قال لأصحابه أ لا تعلمون أن ربكم الأعلى قد فرج لكم البحر فلم يجسر أحد أن يدخل البحر و امتنعت الخيل منه لهول الماء فتقدم فرعون فقال له منجمه لا تدخل البحر و عارضه فلم يقبل منه و أقبل إلى فرس حصان فامتنع الفرس أن يدخل الماء فعطف عليه جبرئيل (عليه السلام) و هو على ماديانة فتقدمته و دخل فنظر إلى الرمكة فطلبها و دخل البحر و اقتحم أصحابه خلفه فلما دخلوا كلهم حتى كان آخر من دخل من أصحابه و آخر من خرج من أصحاب موسى أمر الرياح فضربت البحر بعضه ببعض فأقبل الماء يقع عليه مثل الجبال فقال فرعون عند ذلك آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ
[239]
فأخذ جبرئيل كفا من حمأة فوضعها في فيه ثم قال آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ .
و ذلك أن قوم فرعون ذهبوا أجمعين في البحر و هووا من البحر إلى النار و أما فرعون فنبذه الله وحده و ألقاه بالساحل لينظروا إليه و ليعرفوه و ليكون لمن خلفه آية و لئلا يشك أحد في هلاكه و أنهم كانوا اتخذوه ربا فأراهم الله إياه جيفة ملقاة بالساحل ليكون لمن خلفه عبرة .
و قال الصادق (عليه السلام) : ما أتى جبرئيل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا كئيبا حزينا و لم يزل كذلك منذ أهلك الله فرعون فلما أمره الله بنزول هذه الآية آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ نزل عليه و هو ضاحك مستبشر فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أتيتني إلا و الحزن في وجهك حتى الساعة قال نعم يا محمد لما غرق الله فرعون قال آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فأخذت حمأة فوضعتها في فيه ثم قلت له آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ و عملت ذلك من غير أمر الله خفت أن تلحقه الرحمة من الله و يعذبني على ما فعلت فلما كان الآن و أمرني ربي الله أن أؤدي إليك ما قلته أنا لفرعون آمنت و علمت أن ذلك كان رضا لله تعالى .
و قوله فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ فإن موسى (عليه السلام) أخبر بني إسرائيل أن الله قد غرق فرعون فلم يصدقوه فأمر الله البحر فلفظ به على ساحل البحر حتى رأوه ميتا.
علل الشرائع و عيون الأخبار بإسناده إلى إبراهيم الهمداني قال : قلت للرضا (عليه السلام) لأي علة أغرق الله فرعون و قد آمن به و أقر بتوحيده قال لأنه آمن عند رؤية اليأس و الإيمان عند رؤية اليأس غير مقبول و ذلك حكم الله في السلف و الخلف قال الله عز و جل فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا و هكذا فرعون لما أدركه الغرق قال آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فقيل له آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً
[240]
و قد كان فرعون من قدمه إلى قرنه في الحديد فلما غرق ألقاه الله تعالى على نجوة من الأرض ببدنه ليكون لمن بعده علامة فيرونه مع ثقله بالحديد مرتفع و سبيل الثقيل أن يرسب و لا يرتفع فكان ذلك آية و علامة و لعلة أخرى أغرقه الله عز و جل و هي أنه استغاث بموسى لما أدركه الغرق و لم يستغث بالله فأوحى الله عز و جل إليه يا موسى لم تغث فرعون لأنك لم تخلقه و لو استغاث بي لأغثته .
أقول : هذان الوجهان ذكرهما العلماء في أول الوجوه و ذكروا وجوها أخر منها أنه لم يكن مخلصا في هذه الكلمة بل إنما تكلم بها توسلا إلى دفع البلية الحاضرة .
و منها أن ذلك الإقرار كان منبئا عن محض التقليد .
أ لا ترى أنه قال لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ .
و منها أن أكثر اليهود كانت قلوبهم مائلة إلى التشبيه و التجسيم و لذا اشتغلوا بعبادة العجل لظنهم أنه تعالى في جسده فكأنه آمن بالإله الموصوف بالجسمية و كل من اعتقد ذلك كان كافرا .
و منها أنه أقر بالتوحيد فقط و لم يقر بنبوة موسى فلذا لم يقبل منه .
و فيه عنه (عليه السلام) : في قول فرعون ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى من كان يمنعه قال منعته رشدته و لا يقتل الأنبياء و أولاد الأنبياء إلا أولاد الزنى.
أقول : الرشدة طيب الولادة و فرعون لم يتولد من الزنى و من ذلك جاء في الأخبار الصحيحة أن الألوف الذين حضروا واقعة الطفوف كانوا ما بين ولد زنية أو حيضة و لعل التفصيل إشارة إلى من أعان على القتال تبين فيه نصب العداوة لأهل البيت (عليه السلام) .
و ورد أنه لا يبغضهم إلا ولد من الزنى .
و أما من حضر و كثر السواد و لم يقاتل فهو ممن حمل به في الحيض .
و في قصص الأنبياء عن العبد الصالح (عليه السلام) قال : كان من قول
[241]
موسى حين دخل على فرعون اللهم إني أدرأ بك في نحره و أستجير بك من شره و أستعين بك فحول الله ما كان في قلب فرعون من الأمن خوفا .
و روى الصدوق قال غار النيل على عهد فرعون فأتاه أهل مملكته فقالوا أيها الملك أجر لنا النيل قال إني لم أرض عنكم ثم ذهبوا فأتوه فقالوا أيها الملك نموت و نهلك و لئن لم تجر لنا النيل لنتخذن إلها غيرك قال اخرجوا إلى الصعيد فخرجوا فتنحى عنهم حيث لا يرونه و لا يسمعون كلامه فألصق خده بالأرض و أشار بالسبابة و قال اللهم إني خرجت إليك خروج العبد الذليل إلى سيده و إني أعلم أنك تعلم أنه لا يقدر على إجرائه أحد غيرك فأجره قال فجرى النيل جريا لم يجر مثله فأتاهم فقال لهم إني قد أجريت لكم النيل فخروا له سجدا و عرض له جبرئيل (عليه السلام) فقال أيها الملك أعني على عبد لي قال فما قصته قال عبد لي ملكته على عبيدي و خولته على مفاتيحي فعاداني و أحب من عاداني و عادى من أحببت قال لبئس العبد عبدك لو كان لي عليه سبيل لأغرقته في بحر القلزم قال أيها الملك اكتب لي بذلك كتابا فدعا بكتاب و دواة فكتب ما جزاء العبد الذي يخالف سيده فأحب من عادى و عادى من أحب إلا أن يغرق في بحر القلزم قال أيها الملك اختمه فختمه ثم دفعه إليه فلما كان يوم البحر أتاه جبرئيل (عليه السلام) بالكتاب فقال خذ هذا ما استحققت به على نفسك و هذا ما حكمت به على نفسك .
أقول : قد أوردوا شبهة في هذا المقام و هو أنه يلزم من إجراء الماء مثلا على يدي فرعون إغراء قومه و غيرهم باتباعه و قبول قوله .
و هذا غير جائز على الحكيم و لم أر من تعرض للجواب عنها لأنها شبهة فاسدة في نفس الأمر إلا أن الشبهات كلها من هذا الباب فلزم التعرض للجواب عنها مع أنها لا اختصاص لها في هذا الباب المورد بل جارية في موارد كثيرة كما ستعرف إن شاء الله تعالى .
و الجواب عنها من وجوه
[242]
الوجه الأول أن الأمور التي يظهر بطلانها على العامة و الخاصة و من أعمل العقل فيها لا إغراء للناس في وجودها و ذلك أن ربوبية فرعون كان أمرا باطلا تدركه العقول و الأوهام و الأفهام و من طاوعه عليها لم يكن منها على يقين و لهذا قالوا له لئن لم تجر لنا النيل لنتخذن إلها غيرك .
فظهر أن سجودهم له و قولهم بربوبيته إنما هو مستند إلى أطماع الدنيا و اعتباراتها و الهرب من شره و عذابه الذي كان يوقعه لغيرهم و قد أطاعوا في متابعته الأهواء و الوساوس الشيطانية و ما كانت التقية تبلغ بهم إلى ذلك الحد و ارتكاب الأقوال الباطلة .
و بالجملة فقوله لهم أنا ربكم الأعلى أمر ظاهر البطلان و حينئذ فإجراء ماء النيل مثلا لا يلزم منه إغراؤهم بالقول بربوبيته .
نعم إذا وقع التحدي للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الإمام (عليه السلام) بأمر من الأمور الدالة على صدق دعواهم لا يجوز إجراؤه على يد المبطل من غيرهم .
و لهذا لما ادعى الإمامة في زمن الكاظم (عليه السلام) جماعة من إخوته و بني عمه كان يتحداهم بالجلوس وسط النار مع أن دخول النار و الجلوس فيها مبتذل في هذه الأعصار لكثير من عوام مذهبنا مذهب المخالفين .
الوجه الثاني أن الله سبحانه أقسم بعزته أنه لا يضيع عمل عامل و من يرد حرث الدنيا في ذلك العمل يؤته منها و من يرد حرث الآخرة يؤته منها .
و من هذا جاء في الأخبار أن إمهال الشيطان إلى يوم القيامة و تسلطه على بني آدم و ما أعطاه الله سبحانه مما طلب إنما سبب عبادته في السماء .
كما قال مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) : إنه عبد الله في السماء ستة آلاف سنة لا يدري أ من سني الدنيا أم من سني الآخرة .
و أما فرعون فجاء في الأخبار أن الله سبحانه أمهله أربعمائة سنة يدعي فيها الربوبية لأنه كان حسن الأخلاق سهل الحجاب و ما جلس على مائدة إلا كان فيها الأيتام و المساكين .
روي عن علي (عليه السلام) : إنما أمهل الله فرعون في دعوته لسهولة أذنه و بذل طعامه فجوزي في الدنيا على أعماله .
[243]
و كون ذلك الجزاء مستلزما لنقص الغير مما يمكن الاحتراز عنه لا يمنع منه لأن جزاء إبليس على عمله استلزم تسلطه على بني آدم لكنه لا يئول إلى جبرهم بل هم مختارون في الطاعة .
و هذا الوجه يجري في موارد كثيرة و ذلك أن كفار الهند و غيرهم إذا تعبدوا لله سبحانه بزعمهم يجري على أيديهم الأفعال الغريبة كالإخبار عن الغائبات و نحوها. و مثل جماعة من أهل الخلاف يجري على يدي جماعة من مشايخهم جزاء لعبادتهم ما لا يجري على يدي غيرهم من أهل الله الوجه الثالث أن فرعون و هامان كانا حاذقين في السحر و به غلبا على قومهما فلعل تلك الأفعال الغريبة كانت مستندة إلى السحر و لا ينافيه سجوده و تضرعه لله تعالى و دعاؤه .
فإن السحرة لا يخلو سحر من سحرهم عن الآيات و الأدعية و إن ضموا إليها أمورا أخر .
فلعل جريان النيل كان من ذلك العلم و يجري أيضا في غيره من الموارد في الكفار و المخالفين .
الوجه الرابع أن الحكمة الإلهية اقتضت أن يكون طريق التكليف مقرونا بالألطاف و التوفيقات و محفوفا بالابتلاء و الاختبار و معارضات العقول و الأوهام ليتميز المؤمن من غيره و المجاهد من القاعد و من يغلب الهوى عليه ممن يجري على مقتضى العقول و بزوال الأوهام .
و ذلك أن الله سبحانه أرسل إلى فرعون و قومه و موسى و هارون الحجج القاطعة و الآيات الباهرة و الألطاف الإلهية و التوفيقات الربانية و لو عملوا فيها بمقتضى العقول و تجردوا عن الأوهام و الشكوك لكانت موجبة لإيمانهم .
و أما الذي جرى على يد فرعون من الأمور الغريبة فكان من باب الابتلاء و الاختبار لقومه .
و هذا مما ليس فيه إغراء و لا يوجب لفرعون ربوبية و لا نبوة .
و هذا أيضا يجري في غيره من الموارد الكثيرة في طبقات الكفار و المخالفين .
[244]
فإن كون عبد السلام البصري مثلا يلزم الحيات و يدخل مع تلاميذه النار و يفعل الأفعال الغريبة لا يوجب أن يكون مذهبه على الحق و لا أن تكون طريقته هي المثلى لأن كثيرا من كفار الهند و غيرهم يصنعون ما هو أغرب و أعجب .
الوجه الخامس أن الحكمة الإلهية قد جرت بأنه إذا أكمل الحجة على عباده و أقام فيهم البراهين و أكمل فيهم العقول و أرسل إليهم الأنبياء و لم يبق لهم عذر فإن أطاعوه و قبلوا الإيمان به و برسله جازاهم في الدنيا و الآخرة و إن أبوا إلا العناد و اللجاج و تكذيب الآيات و الرسل أمهلهم و أملى لهم و استدرجهم و كلما ازدادوا في الطغيان زادت عليهم النعم و هم يحسبون أنه من صنيع الله إليهم و إحسانه عليهم .
كما قال عز شأنه سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وَ أُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ فما كان يصنعه جل و عز إلى فرعون و قومه من نعم الدنيا كان من باب الإملاء و الاستدراج .
و هكذا الحال في بعض الموارد فإن الكوفي أبا.. .
كان يقول في مجلس الكوفة قال علي و أنا أقول يعني خلافا لقوله .
و لا شك أن قول علي (عليه السلام) هو حكم الله تعالى و أن غيره يكون حكم الشيطان فقد جعل نفسه و فتواه شريكا لله تعالى و مع ذلك أمهله الله تعالى و استدرجه في نعم الدنيا و الاعتبار عند الملوك و السلاطين و اعتماد الناس على أقواله و مذاهبه في حياته و بعد مماته إلى يوم القيامة .
و الناس يظنون أن ذلك من ألطاف الله سبحانه عليه و ليس هو إلا استدراجا و جزاء لأعماله .
فإنه حكي عنه أنه قام الليل من نصفه أو من أوله إلى آخره عابدا داعيا مدة عشرين سنة و هكذا حال أصحابه من باقي الفقهاء الأربعة .
و بقيت وجوه كثيرة لا نطيل الكتاب بذكرها .
علل الشرائع : سأل الشامي أمير المؤمنين (عليه السلام) عن يوم الأربعاء و التطير منه فقال (عليه السلام) آخر أربعاء في الشهر و هو المحاق و يوم الأربعاء غرق الله فرعون
[245]
و يوم الأربعاء طلب فرعون موسى ليقتله و يوم الأربعاء أمر فرعون بذبح الغلمان و يوم الأربعاء أظل قوم فرعون العذاب.
و عن أبي جعفر (عليه السلام) : لما رجع موسى إلى امرأته قالت من أين جئت قال من عند رب تلك النار قال فغدا إلى فرعون فو الله لكأني أنظر إليه طويل الباع ذو شعر أدم عليه جبة من صوف عصاه في كفه مربوط حقوه بشريط نعله من جلد حمار شراكها من ليف فقيل لفرعون إن على الباب فتى يزعم أنه رسول رب العالمين فقال فرعون لصاحب الأسد خل سلاسلها و كان إذا غضب على أحد خلاها فقطعته فخلاها و قرع موسى الباب الأول و كانت تسعة أبواب فلما قرع موسى الباب الأول انفتحت له الأبواب التسعة فلما دخل جعلن يبصبصن تحت رجليه كأنهن جراء فقال فرعون لجلسائه أ رأيتم مثل هذا قط فلما أقبل إليه قالَ أَ لَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً ... الآية فقال فرعون لرجل من أصحابه قم فخذ بيده و قال للآخر اضرب عنقه فضرب جبرئيل (عليه السلام) بالسيف حتى قتل ستة من أصحابه فقال خلوا عنه قال فأخرج يده فإذا هي بيضاء قد حال شعاعها بينه و بين وجهه و ألقى العصا فإذا هي حية فالتقمت الإيوان بلحييها فدعاه أن يا موسى أقلني إلى غد ثم كان من أمره ما كان .
و عن ابن أبي عمير قال : قلت لموسى بن جعفر (عليه السلام) أخبرني عن قول الله عز و جل لموسى اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى فقال أما قوله لَيِّناً يعني كنياه و قولا يا أبا مصعب و اسمه الوليد بن مصعب و أما قوله يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى فإنما قال ليكون أحرص لموسى على الذهاب و قد علم الله عز و جل أن فرعون لا يتذكر و لا يخشى إلا عند رؤية العذاب أ لا تسمع الله عز و جل يقول حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي
[246]
آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فلم يقبل الله إيمانه و قال آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ.
و عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) : قال كان على مقدمة فرعون ستمائة ألف و مائتي ألف و على ساقته ألف ألف فدخلوا البحر و غرقوا و قوله فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً يقول نلقيك على نجوة من الأرض لتكون لمن بعدك علامة و عبرة .
و عن أبان الأحمر قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل وَ فِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ فقال كان إذا عذب رجلا بسطة على الأرض على وجهه و مد يديه و رجليه فأوتدها بأربعة أوتاد في الأرض فتركه حتى يموت.
و عن أبي عبد الله (عليه السلام) : التسع آيات الله التي أوتي موسى (عليه السلام) فقال الجراد و القمل و الضفادع و الدم و الحجر و البحر و العصا و يده .
و عنه (عليه السلام) : شاطئ الواد الأيمن الذي ذكره الله في كتابه هو الفرات و البقعة المباركة هي كربلاء و الشجرة هي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) .
أقول : يعني نور محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ظهر من تلك الشجرة .
العياشي عن عاصم رفعه قال : إن فرعون بنى سبع مدائن يتحصن فيها من موسى (عليه السلام) و جعل فيها آجاما للأسد فلما بعث الله موسى إلى فرعون فدخل المدينة و رأى الأسود تبصبصت و ولت مدبرة قال ثم لم يأت مدينة إلا فتح الله له بابها إلى قصر فرعون الذي هو فيه فقعد على بابه و عليه مدرعة من صوف و معه عصاه فلما خرج الآذن قال له موسى استأذن على فرعون فلم يلتفت إليه فأكثر عليه فقال له الآذن أ ما وجد رب العالمين من يرسله غيرك فغضب موسى فضرب الباب بعصاه فلم يبق بينه و بين فرعون باب إلا انفتح حتى نظر إليه فرعون و هو في مجلسه فقال أدخلوه فدخل عليه و هو في قبة له ارتفاعها ثمانون ذراعا فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقى عَصاهُ و كان لها شعبتان فإذا هي حية قد وقع إحدى
[247]
الشعبتين في الأرض و الشعبة الأخرى في أعلى القبة فنظر فرعون إلى جوفها و هو يلتهب نيرانا و أهوت إليه فأحدث و صاح يا موسى خذها .
و روىالعياشي عن يونس بن ظبيان قال : قال إن موسى و هارون حين دخلا على فرعون و لم يكن في جلسائه يومئذ ولد سفاح كانوا ولد نكاح كلهم و إن كان فيهم ولد سفاح لأمر بقتلهما ف قالُوا أَرْجِهْ وَ أَخاهُ و أمروه بالتأني و النظر ثم وضع يده على صدره قال و كذلك نحن لا يقصدنا بشر إلا كل خبيث الولادة .
تفسير الإمام الحسن العسكري قال : إن موسى (عليه السلام) لما انتهى إلى البحر أوحى الله عز و جل إليه قل لبني إسرائيل جددوا توحيدي و أمروا بقلوبكم ذكر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) سيد عبيدي و إمائي و أعيدوا على أنفسكم الولاية لعلي أخي محمد و آله الطيبين و قولوا اللهم بجاههم جوزنا على متن هذا الماء يتحول لكم أرضا فقال لهم موسى ذلك فقالوا أ تورد علينا ما نكره و هل فررنا من فرعون إلا من خوف الموت و أنت تقحم بنا هذا الماء بهذه الكلمات و ما يدرينا ما يحدث من هذه علينا فقال لموسى كالب بن يوحنا و هو على دابة له و كان ذلك الخليج أربعة فراسخ يا نبي الله أمرك الله بهذا أن نقوله و ندخل الماء فقال نعم فوقف و جدد توحيد الله و نبوة محمد و ولاية علي و الطيبين من آلهما كما أمر به ثم قال اللهم بجاههم جوزني على متن هذا الماء ثم أقحم فرسه فركض على متن الماء حتى بلغ آخر الخليج ثم عاد راكضا فقال يا بني إسرائيل أطيعوا موسى فما هذا الدعاء إلا مفتاح أبواب الجنان و مغاليق أبواب النيران و مستنزل الأرزاق و جالب على عبيد الله و إمائه رضاء المهيمن الخلاق فأبوا و قالوا نحن لا نسير إلا على الأرض فأوحى الله إلى موسى اضرب بعصاك البحر و قل اللهم بجاه محمد و آله الطيبين لما فلقته ففعل فانفلق و ظهرت الأرض إلى آخر الخليج فقال موسى (عليه السلام) ادخلوا قالوا الأرض وحلة نخاف أن نرسب فيها فقال الله يا موسى قل اللهم بجاه محمد و آله الطيبين جففها فقالها فأرسل الله عليها ريح الصبا فجفت و قال موسى ادخلوا قالوا يا نبي الله نحن اثنتا عشرة قبيلة بنو اثني عشر أبا و إن دخلنا رام كل فريق تقدم صاحبه فلا نأمن وقوع الشر بيننا فلو كان لكل فريق منا طريق على حده لأمنا ما نخافه فأمر الله موسى أن يضرب البحر بعددهم اثنتي عشرة ضربة في اثني عشر موضعا و يقول اللهم بجاه محمد و آله الطيبين بين لنا الأرض فصار فيه تمام اثني عشر طريقا و جف الأرض بريح
[248]
الصبا فقال ادخلوها قالوا كل فريق منا يدخل سكة من هذه السكك لا يدري ما يحدث على الآخرين فقال الله عز و جل فاضرب كل طود من الماء بين هذا السكك فضرب و قال اللهم بجاه محمد و آله الطيبين لما جعلت هذا الماء طاقات واسعة يرى بعضهم بعضا فحدث طاقات واسعة يرى بعضهم بعضا فلما دخلوا جاء فرعون و قومه فدخلوا فأمر الله البحر فأطبق عليهم فغرقوا و أصحاب موسى ينظرون إليهم ثم قال الله عز و جل لبني إسرائيل في عهد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا كان الله تعالى فعل كله بأسلافكم لكرامة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و دعا موسى دعاء تقرب بهم أ فما تعقلون أن عليكم الإيمان بمحمد و آله و قد شاهدتموه الآن .
و عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : بين قوله قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما و بين أخذ فرعون أربعون سنة .
قال الثعلبي : قال العلماء بأخبار الماضين لما كلم الله موسى و بعثه إلى مصر خرج و ليس معه زاد و لا سلاح و كان يستعين بالصيد و ببقول الأرض و لما قرب من مصر أوحى الله إلى أخيه هارون يبشره بقدوم موسى و يخبره أنه جعله لموسى وزيرا و رسولا معه إلى فرعون و أمره أن يمر يوم السبت لغرة ذي الحجة متنكرا إلى شاطئ النيل ليلتقي في تلك الساعة بموسى .
فخرج هارون و أقبل موسى (عليه السلام) فالتقيا على شط النيل قبل طلوع الشمس فاتفق أنه كان يوم ورود الأسد الماء و كان لفرعون أسد تحرسه في غيضة محيطة بالمدينة من حولها .
و كان فرعون إذ ذاك في مدينة حصينة عليها سبعون سورا في كل سور رساتيق و أنهار و مزارع و أرض واسعة في ربض كل سور سبعون ألف مقاتل و من وراء تلك المدينة غيضة تولى فرعون غرسها بنفسه ثم أسكنها الأسد فنسلت و توالدت حتى كثرت ثم اتخذها جندا من جنوده تحرسه و جعل خلال تلك الغيضة طرقا تفضي من يسلكها إلى أبواب المدينة فمن أخطأ الطريق وقع في الغيضة فأكلته الأسود و كانت الأسود إذا وردت النيل ظلت عليها يومها كلها ثم تصدر مع الليل فالتقى موسى و هارون يوم ورودها فلما أبصرتهما الأسد مدت أعناقها و رءوسها إليهما
[249]
و شخصت أبصارها نحوهما و قذف الله تعالى في قلوبها الرعب فانطلقت منهزمة نحو الغيضة و كان لها ساسة يسوسونها و يحرسونها من الناس .
فلما أصابها ما أصابها خاف ساستها فرعون و لم يشعروا من أين أتوا فانطلق موسى و هارون في تلك المسبعة حتى وصلا إلى باب المدينة الأعظم الذي هو أقرب أبوابها إلى منزل فرعون و كان منه يدخل و يخرج فأقاما إليه سبعة أيام .
فكلمهما واحد من الحراس وزيرهما و قال لهما هل تدريان لمن هذا الباب فقال موسى إن هذا الباب و ما فيها لرب العالمين و أهلها عبيد له فسمع ذلك الرجل قولا لم يظن أن أحدا من الناس يفصح بمثله فأسرع إلى كبرائه الذين هم فوقه فقال لهم سمعت اليوم قولا من رجلين هو أعظم عندي مما أصابنا في الأسد و ما كانا ليقدما على ما قدما عليه إلا بسحر عظيم و أخبرهم القصة فتداولوه حتى انتهوا إلى فرعون .
و قال السدي بإسناده سار موسى (عليه السلام) بأهله نحو مصر حتى أتاها ليلا فتضيف أمه و هي لا تعرفه و إنما أتاهم في ليلة كانوا يأكلون فيها الطفيشل نوع من المرق و نزل في جانب الدار فجاء هارون فلما أبصر ضيفه سأل عنه أمه فأخبرته أنه ضيف فدعاه فأكل معه فلما أن قعد تحدثا فقال له هارون من أنت فقال أنا موسى فتعانقا فقال له موسى يا هارون انطلق معي إلى فرعون فإن الله عز و جل قد أرسلنا إليه فقال هارون سمعا و طاعة فقامت أمهما فصاحت و قالت أنشدكما الله أن تذهبا إلى فرعون فيقتلكما. فانطلقا إليه فأتيا الباب و التمسا الدخول عليه ليلا فقرعا الباب ففزع فرعون و فزع البواب و قال فرعون من هذا الذي يضرب ببابي في هذه الساعة فأشرف عليهما البواب فكلمهما فقال له موسى أنا رسول رب العالمين .
و قال محمد بن إسحاق خرج موسى حين قدم مصرا على فرعون هو و أخوه حتى وقفا على باب فرعون يلتمسان الإذن فمكثا سنتين يغدوان إلى بابه و يروحان لا يعلم بهما و لا يجتري أحد أن يعلمه بشأنهما حتى دخل عليه بطال له يلعب عنده و يضحكه فقال له أيها الملك إن على بابك رجلا يقول قولا عجيبا زعم أن له إلها غيرك فقال أدخلوه فدخل موسى و هارون فلما وقفا عنده دعا موسى بدعاء فتحول خوفه أمنا و كذا كل من يدعو بذلك الدعاء .
[250]
ثم قال فرعون لموسى من أنت قال أنا رسول رب العالمين فتأمله فرعون فعرفه فقال أَ لَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَ لَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ... إلى آخر الآيات و المنازعات .
فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ و توجهت نحو فرعون لتأخذه فوثب عن سريره و أحدث حتى قام به بطنه في يومه ذلك أربعين مرة .
و كان فيما يزعمون لا يسعل و لا يصدع و لا تصيبه آفة مما تصيب الناس و كان يقوم في أربعين يوما مرة و كان أكثر ما يأكل الموز لكيلا يكون له ثفل فيحتاج إلى القيام و كانت هذه الأشياء مما زين له أن قال ما قال لأنه ليس له من الناس شبيه فلما قصدته الحية نادى يا موسى اكففها عني بحرمة الرضاع و إني أؤمن بك و أرسل معك بني إسرائيل فأخذها موسى فعادت عصا ثم نزع يده من جيبه فإذا هي بيضاء مثل الثلج لها شعاع كشعاع الشمس فقال له فرعون هذه يدك فأدخلها موسى جيبه و أخرجها الثانية و لها نور ساطع في السماء تكل منه الأبصار فلم يستطع فرعون النظر إليها ثم ردها موسى و أخرجها على لونها الأول فهم فرعون بتصديقه و قال له هامان بينما أنت إله تعبد إذ أنت تابع لعبد فقال فرعون لموسى أمهلني إلى غد .
و أوحى الله تعالى إلى موسى (عليه السلام) أن قل لفرعون إنك إن آمنت بالله وحده عمرتك في ملكك و رددت شابا طريا فاستنظره فرعون. فلما كان من الغد دخل عليه هامان فأخبره فرعون بما وعد موسى فقال له هامان و الله ما يعدل هذا عبادة هؤلاء لك يوما واحدا فنفخ في منخره ثم قال له هامان أنا أردك شابا فأتاه بالوسمة فخضبه بها .
فلما دخل عليه موسى و رآه على تلك الحالة هاله ذلك. فأوحى الله تعالى إليه لا يهولنك ما رأيت فإنه لم يلبث إلا قليلا حتى يعود إلى الحالة الأولى .
و في بعض الروايات أن موسى و هارون لما انصرفا من عند فرعون أصابهما المطر في الطريق فأتيا على عجوز من أقرباء أمهما و وجه فرعون الطلب في أثرهما فلما دخل عليهما الليل ناما في دارها و جاء الطلب إلى الباب و العجوز منتبهة فلما أحست بهم
[251]
خافت عليهما فخرجت العصا من ثقب الباب و العجوز تنظر فقاتلتهم حتى قتلت منهم سبعة أنفس ثم عادت و دخلت الدار .
فلما انتبه موسى و هارون أخبرتهما بقصة الطلب و نكاية العصا فيهم فآمنت بهما و صدقتهما. قال الثعلبي قالت العلماء بأخبار الأنبياء أن موسى و هارون (عليه السلام) وضع فرعون أمرهما على السحر فأراد قتلهما فقال العبد الصالح حزقيل مؤمن آل فرعون أ تقتلون رجلا يقول ربي الله و قد جاءكم بالبينات من ربكم فقال الملأ من قوم فرعون أَرْجِهْ وَ أَخاهُ وَ ابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ .
و كانت لفرعون مدائن فيها السحرة معدة لفرعون إذا أحزنه أمر .
و قال ابن عباس قال فرعون لما رأى سلطان الله في اليد و العصا إنا لا نغالب موسى إلا بمن هو مثله فأخذ غلمانا من بني إسرائيل فبعث بهم إلى قرية يقال لها العرما يعلمونهم السحر كما يعلمون الصبيان في المكتب فعلموهم سحرا كثيرا و واعد فرعون موسى موعدا فبعث فرعون إلى السحرة فجاء بهم و معهم معلمهم فقالوا له ما ذا صنعت قال علمتهم سحرا لا يطيقه سحرة أهل الأرض إلا أن يكون أمر من السماء فإنه لا طاقة لهم به .
ثم بعث فرعون فجمع السحرة كلهم و كانوا اثنين و سبعين ألفا .
و قال كعب كانوا اثني عشر ألفا و قيل بضعا و ثلاثين ألفا و قال عكرمة سبعين ألفا و قيل ثمانين ألفا و اختار منهم سبعة آلاف و اختار من أولئك سبعمائة .
و كان رئيس السحرة أخوين بأقصى مدائن الصفر فلما جاءهما رسول فرعون قالا لأمهما دلينا على قبر أبينا فأتياه فصاحا باسمه فأجابهما فقالا إن الملك وجه علينا أن نقدم عليه لأنه أتاه رجلان ليس معهما رجال و لا سلاح و لهما عز و منعة و قد ضاق الملك ذرعا من عزهما و معهما عصا إذا ألقياها فلا يقوم لها شيء تبلع الحديد و الخشب و الحجر فأجابهما أبوهما انظرا إذا هما ناما فإن قدرتما أن تسلا العصا فسلاها فإن الساحر .
[252]
لا يعمل سحره و هو نائم و إن عملت العصا و هما نائمان فذلك أمر رب العالمين و لا طاقة لكما بهما و لا لجميع أهل الدنيا. فأتياهما في خفية و هما نائمان ليأخذا العصا فقصدتهما العصا ثم واعدوه يوم الزينة و كان يوم سوق لهم و قال ابن عباس كان يوم عاشوراء و وافق يوم السبت أول يوم النيروز يجتمع الناس من الآفاق و كان بالإسكندرية فلما اجتمع الناس و السحرة جاء موسى متكئا على عصاه و معه هارون فقال موسى للسحرة ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب أليم .
فقال بعضهم لبعض ما هذا بقول ساحر و قالوا لنأتينك اليوم بسحر لم تر مثله و كانوا قد جاءوا بالعصي و الحبال تحملها ستون بعيرا فقال لهم موسى ألقوا فألقوا حبالهم و عصيهم فإذا هي حيات كأمثال الجبال قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضا تسعى فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى فقال و الله إن كانت العصيات في أيديهم فلقد عادت حيات و ما يعدون عصاي هذه .
فأوحى الله إليه لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى وَ أَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَ لا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى فألقى عصاه فإذا هي ثعبان عظيم أسود مدلهم على أربع قوائم قصار غلاظ و هو أعظم و أطول من البختي و له ذنب يقوم عليه فيشرف فوق حيطان المدينة رأسه لا يضرب ذنبه على شيء إلا حطمه و يكسر بقوائمه الصخور و يضرم حيطان البيوت نارا و منخراه تنفخان سموما و على مفرقه شعر كأمثال الرماح فاستعرضت ما ألقى السحرة من حبالهم و عصيهم و هي حيات في عين فرعون و أعين الناس فابتلعتها واحدا واحدا حتى ما يرى بالوادي قليلا و لا كثيرا فانهزم الناس و تزاحموا و وطئ بعضهم بعضا حتى مات يومئذ خمسة و عشرون ألفا و انهزم فرعون مرعوبا و قد استطلق بطنه في يومه ذلك من أربعمائة جلسة ثم بعد ذلك إلى أربعين مرة في اليوم و الليلة على الدوام إلى أن هلك .
فلما عاين السحرة ما عاينوا قالوا لو كان سحرا لما خفي علينا أمره و لو كان سحرا فأين حبالنا و عصينا فخروا سجدا و قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَ هارُونَ.
[253]
و كان فيهم أربعة شيوخ سابور عارور حطحط مصفا فلما آمن السحرة قال فرعون متجلدا آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ف قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ.. . فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ .
فقطع أيديهم و أرجلهم و صلبهم و هو أول من فعل ذلك فأصبحوا سحرة كفرة و أمسوا شهداء بررة .
و رجع فرعون مغلوبا و أبى إلا الإقامة على الكفر فتابع الله عليه بالآيات و أخذه و قومه إلى أن أهلكهم .
و رجع موسى (عليه السلام) و العصا تتبعه و تبصبص حوله و تلوذ به كما يلوذ الكلب الألوف بصاحبه و الناس ينظرون إليها حتى دخل موسى عسكر بني إسرائيل و أخذ برأسها فإذا هي عصا كما كانت .
و اعتزل موسى (عليه السلام) في مدينته و لحق بقومه و عسكروا مجتمعين إلى أن صاروا ظاهرين .
قال الثعلبي فلما خاف فرعون على قومه أن يؤمنوا بموسى (عليه السلام) عزم على بناء صرح يقوي به سلطانه فقال يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً ... الآية .
فجمع العمال و الفعلة حتى اجتمع له خمسون ألف بناء سوى الأتباع و الأجراء ممن يطبخ الآجر و الجص و ينجر الخشب و الأبواب و يضرب المسامير فلم يزل يبني ذلك الصرح إلى أن فرغ منه في سبعة سنين و ارتفع ارتفاعا لم يبلغه بنيان أحد من الخلق منذ خلق الله السماوات و الأرض .
فبعث الله عز و جل جبرئيل (عليه السلام) فضرب بجناحه الصرح فقطعه ثلاث قطع وقعت قطعة منها في البحر و أخرى في الهند و أخرى في المغرب .
و قال الضحاك بعثه الله وقت الغروب فقذف به على عسكر فرعون فقتل منهم ألف ألف رجل و لم يبق أحد عمل فيه شيئا إلا أصابه موت أو حريق أو عاهة .
ثم إن فرعون بعد ذلك عزم على قتال موسى (عليه السلام) فلما لم يؤمن أوحى الله تعالى إلى موسى أن اجمع بني إسرائيل كل أربعة أهل أبيات في بيت ثم اذبحوا أولاد
[254]
الضأن و اضربوا بدمائها على الأبواب فإني مرسل على أعدائكم عذابا و إني سآمر الملائكة فلا يدخل بيتا على بابه دم و سآمرها تقتل أبكار آل فرعون من أنفسهم و أموالهم فستسلمون أنتم و يهلكون هم ثم اخبزوا خبزا فطيرا فإنه أسرع لكم ثم أسر بعبادي حتى تنتهي بهم البحر فيأتيك أمري .
ففعل ذلك بنو إسرائيل فقال النبط لبني إسرائيل لم تعالجون هذا الدم على أبوابكم فقالوا إن الله مرسل عذابا فنسلم و تهلكون فقالت النبط فما يعرفكم ربكم إلا بهذه العلامات فقالوا هكذا أمرنا نبينا .
فأصبحوا و قد طعن أبكار آل فرعون و ماتوا كلهم في ليلة واحدة و كانوا سبعين ألفا فاشتغلوا بدفنهم و بالحزن عليهم .
و سرى موسى (عليه السلام) بقومه متوجهين إلى البحر و هم ستمائة ألف و عشرون ألفا لا يعد فيهم ابن سبعين سنة لكثرتهم لكبره و لا ابن عشرين لصغره و هم المقاتلة دون الذرية و كان موسى (عليه السلام) على الساقة و هارون على المقدمة .
فلما فرغت القبط من دفن أبكارهم و بلغهم خروج بني إسرائيل قال فرعون هذا عمل موسى قتلوا أبكارنا من أنفسنا و أموالنا ثم خرجوا و لم يرضوا أن ساروا بأنفسهم حتى ذهبوا بأموالنا معهم فنادى في قومه فأرسل في المدائن من يجمع الساحرين .
و قال ابن جريج أرسل فرعون في أثر موسى و قومه ألف ألف و خمسمائة ألف ملك مسود مع كل ملك ألف ثم خرج فرعون خلفهم في الدهم و كانوا مائة ألف رجل كل واحد منهم راكب حصانا أدهم .
فلما أغرقوا في البحر بعث موسى (عليه السلام) جندين عظيمين من بني إسرائيل كل جند اثنا عشر ألفا إلى مدائن فرعون و هي خالية من أهلها لم يبق منهم إلا النساء و الصبيان و الزمنى و المرضى و الهرمى و أمر على الجندين يوشع بن نون و كالب بن يوحنا فدخلوا بلاد فرعون فغنموا ما كان فيها من أموالهم و كنوزهم. ثم إن يوشع استخلف على قوم فرعون رجلا منهم و عاد إلى موسى بمن معه سالمين غانمين.
تفسير علي بن إبراهيم قالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَ إِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ
[255]
الْكاذِبِينَ فبنى هامان له في الهواء صرحا بلغ مكانا في الهواء لم يقدر الإنسان أن يقوم عليه من الرياح القائمة في الهواء فقال لفرعون لا نقدر على أن نزيد على هذا .
و بعث الله رياحا فرمت به فاتخذ فرعون عند ذلك التابوت و عمد إلى أربعة أنسر فأخذ فراخها و رباها حتى إذا بلغت و كبرت عمدوا إلى جوانب التابوت الأربعة فقرروا في كل جانب منه خشبة و جعلوا على رأس كل خشبة لحما و جوعوا الأنسر و شدوا أرجلها بأصل الخشبة فنظرت الأنسر إلى اللحم فأهوت إليه و ارتفعت في الهواء فأقبلت تطير يومها فقال فرعون لهامان انظر إلى السماء هل بلغناها فنظر هامان فقال أرى السماء كما كنت أراها في الأرض في البعد فقال انظر إلى الأرض فقال لا أرى الأرض و لكن أرى البحار و الماء .
قال فلم تزل الأنسر ترتفع حتى غابت الشمس و غابت عنهم البحار و الماء و جنهم الليل فنظر هامان إلى السماء فقال فرعون هل بلغناها فقال أرى الكواكب كما كنت أراها في الأرض .
ثم جالت الرياح القائمة في الهواء فأقبلت التابوت فلم يزل يهوي حتى وقع على الأرض فكان فرعون أشد ما كان عتوا في ذلك الوقت .
علل الشرائع عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : احتبس القمر عن بني إسرائيل فأوحى الله جل جلاله إلى موسى (عليه السلام) أخرج عظام يوسف من مصر و وعده طلوع القمر إذا أخرج عظامه فسأل موسى عمن يعلم موضعه فقيل له هاهنا عجوز تعلم علمه فبعث إليها فأتي بعجوز مقعدة عمياء فقال لها أ تعرفين موضع قبر يوسف قالت نعم قال فأخبريني به قالت لا حتى تعطيني أربع خصال تطلق رجلي و تعيد لي شبابي و تعيد لي بصري و تجعلني معك في الجنة قال فكبر ذلك على موسى (عليه الس